ذَاقَهَا. فَلَمَّا أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ جَمَعَ اللَّهُ جَسَدَهُ وَسَوَّاهُ وَرَدَّ فِيهِ رُوحَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ قَعْرِ الْجُبِّ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَقْبَلَ جِرْجِيسُ، وَهُمْ فِي عِيدٍ لَهُمْ صَنَعُوهُ فَرَحًا بِمَوْتِ جِرْجِيسَ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ مُقْبِلًا قَالُوا: مَا أَشْبَهَ هَذَا بِجِرْجِيسَ! قَالَ الْمَلِكُ: هُوَ هُوَ! قَالَ جِرْجِيسُ: أَنَا هُوَ حَقًّا، بِئْسَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ! قَتَلْتُمْ وَمَثَّلْتُمْ فَرَدَّ اللَّهُ رُوحِي إِلَيَّ! هَلُمُّوا إِلَى هَذَا الرَّبِّ الْعَظِيمِ الَّذِي أَرَاكُمْ قُدْرَتَهُ. فَقَالُوا: سَاحِرٌ سَحَرَ أَعْيُنَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُ، فَجَعَلُوا مَنْ بِبِلَادِهِمْ مِنَ السَّحَرَةِ، فَلَمَّا جَاءُوا قَالَ الْمَلِكُ لِكَبِيرِهِمْ: اعْرِضْ عَلَيَّ مِنْ سِحْرِكَ مَا يُسَرَّى بِهِ عَنِّي. فَدَعَا بِثَوْرٍ فَنَفَخَ فِي أُذُنَيْهِ فَإِذَا هُوَ ثَوْرَانِ، وَدَعَا بِبَذْرٍ فَحُرِثَ وَزُرِعَ وَحُصِدَ وَدُقَّ وَذُرِّيَ وَطُحِنَ وَخُبِزَ وَأُكِلَ مِنْ سَاعَتِهِ. فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تَمْسَخَهُ كَلْبًا؟ قَالَ: ادْعُ لِي بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ، فَأُتِيَ بِهِ، فَنَفَثَ فِيهِ السَّاحِرُ ثُمَّ قَالَ الْمَلِكُ لِجِرْجِيسَ: اشْرَبْهُ، فَشَرِبَهُ جِرْجِيسُ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِ. فَقَالَ لَهُ السَّاحِرُ: مَاذَا تَجِدُ؟ قَالَ: مَا أَجِدُ إِلَّا خَيْرًا! كُنْتُ عَطْشَانَ فَلَطَفَ اللَّهُ بِي فَسَقَانِي. وَأَقْبَلَ السَّاحِرُ عَلَى الْمَلِكِ وَقَالَ: لَوْ كُنْتَ تُقَاسِي جَبَّارًا مِثْلَكَ لِغَلَبْتَهُ وَإِنَّمَا تُقَاسِي جَبَّارَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
وَكَانَتْ أَتَتْ جِرْجِيسَ امْرَأَةٌ مِنَ الشَّامِ، وَهُوَ فِي أَشَدِّ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِي مَالٌ إِلَّا ثَوْرًا أَعِيشُ بِهِ مِنْ حَرْثِهِ فَمَاتَ، وَجِئْتُكَ لِتَرْحَمَنِي وَتَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَ ثَوْرِي. فَأَعْطَاهَا عَصًا وَقَالَ: اذْهَبِي إِلَى ثَوْرِكِ فَاضْرِبِيهِ بِهَذِهِ الْعَصَا وَقُولِي لَهُ: احْيَ بِإِذْنِ اللَّهِ. فَأَخَذَتِ الْعَصَا وَأَتَتْ مَصْرَعَ الثَّوْرِ فَرَأَتْ رَوْقَيْهِ وَشَعْرَ ذَنَبِهِ فَجَمَعَتْهَا ثُمَّ قَرَعَتْهَا بِالْعَصَا وَقَالَتْ مَا أَمَرَهَا بِهِ جِرْجِيسُ، فَعَاشَ ثَوْرُهَا، وَجَاءَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ.
فَلَمَّا قَالَ السَّاحِرُ مَا قَالَ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمَلِكِ، وَكَانَ أَعْظَمَهُمْ بَعْدَ الْمَلِكِ: اسْمَعُوا مِنِّي. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ وَضَعْتُمْ أَمْرَهُ عَلَى السِّحْرِ، وَإِنَّهُ لَمْ يُعَذَّبْ وَلَمْ يُقْتَلْ، فَهَلْ رَأَيْتُمْ سَاحِرًا قَطُّ قَدَرَ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَحْيَا مَيِّتًا؟ وَذَكَرَ الثَّوْرَ وَإِحْيَاءَهُ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ كَلَامَكَ كَلَامُ رَجُلٍ قَدْ أَصْغَى إِلَيْهِ. فَقَالَ: قَدْ آمَنْتُ بِهِ وَأُشْهِدُ اللَّهَ أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ! فَقَامَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ بِالْخَنَاجِرِ فَقَطَعُوا لِسَانَهُ بِالْخَنَاجِرِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute