وَخَلَعَ عَلَيْهِمْ، وَأَجْرَى الْأَرْزَاقَ عَلَيْهِمْ.
وَكَانَ مِمَّنْ رَغِبَ فِي الْأَمَانِ مِنْ قُوَّادِ الْفَاجِرِ رَيْحَانُ بْنُ صَالِحٍ الْمَغْرِبِيُّ، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاءِ أَصْحَابِهِ، أَرْسَلَ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، وَأَنْ يُرْسِلَ جَمَاعَةً إِلَى مَكَانٍ ذَكَرَهُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ فَفَعَلَ الْمُوَفَّقُ، فَصَارَ إِلَيْهِ فَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَوَصَلَهُ، وَضَمَّهُ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ، وَاسْتَأْمَنَ مِنْ بَعْدِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ; وَكَانَ خُرُوجُ رَيْحَانَ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مِنَ السَّنَةِ.
ذِكْرُ الْحَرْبِ بَيْنَ الْخَوَارِجِ بِبَلَدِ الْمَوْصِلِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ بَيْنَ هَارُونَ الْخَارِجِيِّ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ خُرَّزَادَ، وَهُوَ مِنَ الْخَوَارِجِ أَيْضًا، وَقْعَةٌ بِبَعْدَرَى مِنْ أَعْمَالِ الْمَوْصِلِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ الْحَرْبَ الْحَادِثَةَ بَيْنَ هَارُونَ، وَمُحَمَّدٍ بَعْدَ مَوْتِ مُسَاوِرٍ، فَلَمَّا كَانَ الْآنَ جَمَعَ مُحَمَّدُ بْنُ خُرَّزَادَ أَصْحَابَهُ وَسَارَ إِلَى هَارُونَ مُحَارِبًا لَهُ، فَنَزَلَ وَاسِطَ، وَهِيَ مَحَلَّةٌ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ يَرْكَبُ الْبَقَرَ لِئَلَّا يَفِرَّ مِنَ الْقِتَالِ، وَيَلْبَسُ الصُّوفَ الْغَلِيظَ، وَيُرَقِّعُ ثِيَابَهُ، وَكَانَ كَثِيرَ الْعِبَادَةِ وَالنُّسُكِ، وَيَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَائِلٌ.
فَلَمَّا نَزَلَ وَاسِطَ خَرَجَ إِلَيْهِ وُجُوهُ أَهْلِ الْمَوْصِلِ، وَكَانَ هَارُونُ بِمَعْلَثَايَا يَجْمَعُ لِحَرْبِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا سَمِعَ بِنُزُولِ مُحَمَّدٍ عِنْدَ الْمَوْصِلِ سَارَ إِلَيْهِ وَرَحَلَ ابْنُ خُرَّزَادَ نَحْوَهُ، فَالْتَقَوْا بِالْقُرْبِ مِنْ قَرْيَةِ شَمْرَخَ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا كَانَ فِيهِ مُبَارَزَةٌ، وَحَمَلَاتٌ كَثِيرَةٌ، فَانْهَزَمَ هَارُونُ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ نَحْوُ مِائَتَيْ رَجُلٍ، مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُرْسَانِ الْمَشْهُورِينَ، وَمَضَى هَارُونُ مُنْهَزِمًا، فَعَبَرَ دِجْلَةَ إِلَى الْغَرْبِ قَاصِدًا بَنِي تَغْلِبَ، فَنَصَرُوهُ وَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، وَرَجَعَ ابْنُ خُرَّزَادَ مِنْ حَيْثُ أَقْبَلَ، وَعَادَ هَارُونُ إِلَى الْحَدِيثَةِ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَاتَبَ أَصْحَابَ ابْنِ خُرَّزَادَ، وَاسْتَمَالَهُمْ، فَأَتَاهُ مِنْهُمُ الْكَثِيرُ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ ابْنِ خُرَّزَادَ إِلَّا عَشِيرَتُهُ مِنَ الشَّمَرْدَلِيَّةِ، وَهُمْ مِنْ أَهْلِ شَهْرَزُورَ، وَإِنَّمَا فَارَقَهُ أَصْحَابُهُ لِأَنَّهُ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute