بَعْدَ حَرْبٍ طَوِيلَةٍ فِي مُدَّةٍ بَعِيدَةٍ.
وَكَانَ لِلْخَبِيثِ فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ جَمْعٌ مِنَ الزَّنْجِ قَدْ تَحَصَّنُوا بِالسُّورِ وَهُوَ مَنِيعٌ، وَهُمْ أَشْجَعُ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا يُحَامُونَ عَنْهُ، وَكَانُوا يَخْرُجُونَ عَلَى أَصْحَابِ الْمُوَفَّقِ، عِنْدَ مُحَارَبَتِهِمْ، عَلَى حِرَى كُورٍ وَمَا يَلِيهِ، وَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ أَنْ يُقْصَدَ هَذَا الْمَوْضِعُ، وَيُخَرَّبَ سُورُهُ، وَيُخْرَجَ مَنْ فِيهِ، فَأَمَرَ أَبَا الْعَبَّاسِ، وَالْقُوَّادَ بِالتَّأَهُّبِ لِذَلِكَ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ، وَأَمَرَ بِالشَّذَا أَنْ تُقَرَّبَ مِنَ السُّورِ، وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ، وَدَامَتْ إِلَى بَعْدِ الظُّهْرِ، وَهَدَمَ مَوَاضِعَ، وَأَحْرَقَ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنَ الْعَرَّادَاتِ، وَتَحَاجَزَ الْفَرِيقَانِ، وَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، سِوَى هَدْمِ السُّورِ، وَإِحْرَاقِ عَرَّادَاتٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، فَنَالَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْجِرَاحِ أَمْرٌ عَظِيمٌ.
وَعَادَ الْمُوَفَّقُ، فَوَصَلَ أَهْلَ الْبَلَاءِ وَالْمَجْرُوحِينَ عَلَى قَدْرِ بَلَائِهِمْ، وَهَكَذَا كَانَ عَمَلُهُ فِي مُحَارَبَتِهِ، وَأَقَامَ الْمُوَفَّقُ بَعْدَ هَذِهِ الْوَقْعَةِ أَيَّامًا، ثُمَّ رَأَى مُعَاوَدَةَ هَذَا الْمَوْضِعِ لَمَّا رَأَى مِنْ حَصَانَتِهِ وَشَجَاعَةِ مَنْ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حِرَى كُورٍ إِلَّا بَعْدَ إِزَالَةِ هَؤُلَاءِ، فَأَعَدَّ الْآلَاتِ، وَرَتَّبَ أَصْحَابَهُ، وَقَصَدَهُ، وَقَاتَلَ مَنْ فِيهِ، وَأُدْخِلَتِ الشَّذَوَاتُ النَّهْرَ، وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ وَدَامَتْ.
وَأَمَدَّ الْخَبِيثُ أَصْحَابَهُ بِالْمُهَلَّبِيِّ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ جَامِعٍ فِي جَيْشِهِمَا، فَحَمَلُوا عَلَى أَصْحَابِ الْمُوَفَّقِ حَتَّى أَلْحَقُوهُمْ بِسُفُنِهِمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ جَمَاعَةً، فَرَجَعَ الْمُوَفَّقُ وَلَمْ يَبْلُغْ مِنْهُمْ مَا أَرَادَ، وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَاتِلَهُمْ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ لِتَخِفَّ وَطْأَتُهُمْ عَلَى مَنْ يَقْصِدُ هَذَا الْمَوْضِعَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَفَرَّقَ أَصْحَابَهُ عَلَى جِهَاتِ أَصْحَابِ الْخَبِيثِ، وَسَارَ هُوَ إِلَى جِهَةِ النَّهْرِ الْغَرْبِيِّ، وَقَاتَلَ مَنْ فِيهِ.
وَطَمِعَ الزَّنْجُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تِلْكَ الْوَقْعَةِ، فَصَدَقَهُمْ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ الْقِتَالَ، فَهَزَمُوهُمْ، فَوَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ، وَتَرَكُوا حِصْنَهُمْ فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْمُوَفَّقِ، فَهَدَمُوهُ، وَغَنِمُوا مَا فِيهِ، وَأَسَرُوا، وَقَتَلُوا خَلْقًا لَا يُحْصَى، وَخَلَّصُوا مِنْ هَذَا الْحِصْنِ خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ، وَرَجَعَ الْمُوَفَّقُ إِلَى عَسْكَرِهِ بِمَا أَرَادَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute