دَارِ الْهَمْدَانِيِّ، وَمَعَهُمُ الْفَعَلَةُ، وَكَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مُحَصَّنًا بِجَمْعٍ كَثِيرٍ، وَعَلَيْهِ عَرَّادَاتٌ، وَمَنْجَنِيقَاتٌ، وَقِسِيٌّ، فَاشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ، وَكَثُرَتِ الْقَتْلَى، فَانْتَصَرَ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ عَلَيْهِمْ، وَقَتَلُوهُمْ وَهَزَمُوهُمْ، وَانْتَهَوْا إِلَى الدَّارِ، فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمُ الصُّعُودُ إِلَيْهَا لِعُلُوِّ سُورِهَا، فَلَمْ تَبْلُغْهُ السَّلَالِيمُ الطِّوَالُ، فَرَمَى بَعْضُ غِلْمَانِ الْمُوَفَّقِ بِكَلَالِيبَ كَانَتْ مَعَهُمْ، فَعَلَّقُوهَا فِي أَعْلَامِ الْخَبِيثِ، وَجَذَبُوهَا، فَتَسَاقَطَتِ الْأَعْلَامُ مَنْكُوسَةً، فَلَمْ يَشُكَّ الْمُقَاتِلَةُ عَنِ الدَّارِ فِي أَنَّ أَصْحَابَ الْمُوَفَّقِ قَدْ مَلَكُوهَا، فَانْهَزَمُوا لَا يَلْوِي أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ، فَأَخَذَهَا أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ، وَصَعِدَ النَّفَّاطُونَ وَأَحْرَقُوهَا وَمَا كَانَ عَلَيْهَا مِنَ الْمَجَانِيقِ، وَالْعَرَّادَاتِ، وَنَهَبُوا مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْمَتَاعِ، وَالْأَثَاثِ، وَأَحْرَقُوا مَا كَانَ حَوْلَهَا مِنَ الدُّورِ، وَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ، وَكُنَّ عَالَمًا كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمَاتِ، فَحُمِلْنَ إِلَى الْمُوَفَّقِيَّةِ، وَأَمَرَ الْمُوَفَّقُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ.
وَاسْتَأْمَنَ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِ الْخَبِيثِ، وَخَاصَّتِهِ الَّذِينَ يَلُونَ خِدْمَتَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، فَأَمَّنَهُمُ الْمُوَفَّقُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَدَلَّتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْتَأْمِنَةِ الْمُوَفَّقَ عَلَى سُوقٍ عَظِيمَةٍ كَانَتْ لِلْخَبِيثِ مُتَّصِلَةٍ بِالْجِسْرِ الْأَوَّلِ، تُسَمَّى الْمُبَارَكَةَ، وَأَعْلَمُوهُ إِنْ أَحْرَقَهَا لَمْ يَبْقَ سُوقٌ غَيْرُهَا، وَخَرَجَ عَنْهُمْ تُجَّارُهُمِ الَّذِينَ كَانَ بِهِمْ قُوَامُهُمْ، فَعَزَمَ الْمُوَفَّقُ عَلَى إِحْرَاقِهَا، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِقَصْدِ السُّوقِ مِنْ جَانِبَيْهَا، فَقَصَدُوهَا، وَأَقْبَلَتِ الزَّنْجُ إِلَيْهِمْ، فَتَحَارَبُوا أَشَدَّ حَرْبٍ تَكُونُ، وَاتَّصَلَتْ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ إِلَى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ السُّوقِ وَأَلْقَوْا فِيهِ النَّارَ فَاحْتَرَقَ وَاتَّصَلَتِ النَّارُ.
وَكَانَ النَّاسُ يَقْتَتِلُونَ، وَالنَّارُ مُحِيطَةٌ بِهِمْ، (وَاتَّصَلَتِ النَّارُ بِظِلَالِ السُّوقِ فَاحْتَرَقَتْ) وَسَقَطَتْ عَلَى الْمُقَاتِلَةِ، وَاحْتَرَقَ بَعْضُهُمْ، فَكَانَتْ هَذِهِ حَالُهُمْ إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تَحَاجَزُوا، وَرَجَعَ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَانْتَقَلَ تُجَّارُ السُّوقِ إِلَى أَعْلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا قَدْ نَقَلُوا مُعْظَمَ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مِنْ هَذِهِ السُّوقِ خَوْفًا مِنْ مِثْلِ هَذِهِ.
ثُمَّ إِنَّ الْخَبِيثَ فَعَلَ بِالْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ حَفْرِ الْخَنَادِقِ، وَتَغْوِيرِ الطُّرُقِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ، بَعْدَ هَذِهِ الْوَقْعَةِ، وَاحْتَفَرَ خَنْدَقًا عَرِيضًا حَصَّنَ بِهِ مَنَازِلَ أَصْحَابِهِ الَّتِي عَلَى النَّهْرِ الْغَرْبِيِّ، فَرَأَى الْمُوَفَّقُ أَنْ يُخَرِّبَ بَاقِيَ السُّورِ إِلَى النَّهْرِ الْغَرْبِيِّ، فَفَعَلَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute