أَنْكِلَايُ ابْنُ الْخَبِيثِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبَانٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ جَامِعٍ، وَاشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ، وَدَامَتْ، وَحَامَى أُولَئِكَ عَنِ الْقَنْطَرَةِ لِعِلْمِهِمْ بِمَا عَلَيْهِمْ فِي قَطْعِهَا مِنَ الْمَضَرَّةِ، وَأَنَّ الْوُصُولَ إِلَى الْجِسْرَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَأْتِي ذِكْرُهُمَا يَسْهُلُ.
وَدَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى الْقَنْطَرَةِ إِلَى الْعَصْرِ، ثُمَّ إِنَّ غِلْمَانَ الْمُوَفَّقِ أَزَالُوا الْخُبَثَاءَ عَنْهَا، وَقَطَعَهَا النَّجَّارُونَ، وَنَقَضُوهَا، وَمَا كَانَ عَمِلَ مِنَ الْأَدْقَالِ السَّاجِ، وَكَانَ قَطْعُهَا قَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ، فَأَدْخَلُوا تِلْكَ السُّفُنَ الَّتِي فِيهَا الْقَصَبُ، وَالنِّفْطُ، وَأَضْرَمُوهَا نَارًا، فَوَافَتِ الْقَنْطَرَةَ، فَأَحْرَقُوهَا، فَوَصَلَ النَّجَّارُونَ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَرَادُوا، وَأَمْكَنَ أَصْحَابَ الشَّذَا دُخُولُ النَّهْرِ، فَدَخَلُوا، وَقَتَلُوا الزَّنْجَ حَتَّى أَجْلَوْهُمْ عَنْ مَوَاقِفِهِمْ إِلَى الْجِسْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي يَتْلُو هَذِهِ الْقَنْطَرَةَ، وَقُتِلَ مِنَ الزَّنْجِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاسْتَأْمَنَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَوَصَلَ أَصْحَابُ الْمُوَفَّقِ إِلَى الْجِسْرِ الْمَغْرِبَ، فَكَرِهَ أَنْ يُدْرِكَهُمُ اللَّيْلُ، فَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ فَرَجَعُوا، وَكَتَبَ إِلَى الْبُلْدَانِ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى الْمَنَابِرِ أَنْ يُؤْتَى الْمُحْسِنُ عَلَى قَدْرِ إِحْسَانِهِ لِيَزْدَادُوا جِدًّا فِي حَرْبِ عَدُوِّهِ، وَأَخْرَبَ مِنَ الْغَدِ بُرْجَيْنِ مِنْ حِجَارَةٍ كَانُوا عَمِلُوهُمَا لِيَمْنَعُوا الشَّذَا مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهُ إِذَا دَخَلَتْهُ، فَلَمَّا أَخْرَبَهُمَا سَهُلَ لَهُ مَا أَرَادَ مِنْ دُخُولِ النَّهْرِ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ.
ذِكْرُ انْتِقَالِ صَاحِبِ الزَّنْجِ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ وَإِحْرَاقِ سُوقِهِ
لَمَّا أُحْرِقَتْ دُورُهُ، وَمَسَاكِنُ أَصْحَابِهِ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُمْ، انْتَقَلُوا إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ مِنْ نَهْرِ أَبِي الْخَصِيبِ، وَجَمَعَ عِيَالَهُ حَوْلَهُ، وَنَقَلَ أَسْوَاقَهُ إِلَيْهِ، فَضَعُفَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ ضَعْفًا شَدِيدًا ظَهَرَ لِلنَّاسِ، فَامْتَنَعُوا مِنْ جَلْبِ الْمِيرَةِ إِلَيْهِ، فَانْقَطَعَتْ عَنْهُ كُلُّ مَادَّةٍ، وَبَلَغَ الرِّطْلُ مِنْ خُبْزِ الْبُرِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَأَكَلُوا الشَّعِيرَ، وَأَصْنَافَ الْحُبُوبِ.
ثُمَّ لَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ بِهِمْ إِلَى أَنْ كَانَ أَحَدُهُمْ يَأْكُلُ صَاحِبَهُ إِذَا انْفَرَدَ بِهِ، وَالْقَوِيُّ يَأْكُلُ الضَّعِيفَ، ثُمَّ أَكَلُوا أَوْلَادَهُمْ.
وَرَأَى الْمُوَفَّقُ أَنْ يُخَرِّبَ الْجَانِبَ الشَّرْقِيَّ كَمَا أَخْرَبَ الْغَرْبِيَّ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِقَصْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute