[مِمَّنْ] لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالدُّخُولِ، فَصَكَّتْ شَذَوَاتِ نُصَيْرٍ، وَصَكَّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَمْ يَبْقَ لِلْمَلَّاحِينَ فِيهَا عَمَلٌ.
وَرَأَى الزَّنْجُ ذَلِكَ فَاجْتَمَعُوا عَلَى جَانِبَيِ النَّهْرِ، وَأَلْقَى الْمَلَّاحُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ خَوْفًا مِنَ الزَّنْجِ، وَدَخَلَ الزَّنْجُ الشَّذَوَاتِ، فَقَتَلُوا بَعْضَ الْمُقَاتِلَةِ، وَغَرِقَ أَكْثَرُهُمْ، وَصَابَرَهُمْ نُصَيْرٌ، حَتَّى خَافَ الْأَسْرَ، فَقَذَفَ نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ فَغَرِقَ، وَأَقَامَ الْمُوَفَّقُ يَوْمَهُ يُحَارِبُهُمْ، وَيَنْهَبُهُمْ، وَيَحْرِقُ مَنَازِلَهُمْ، وَلَمْ يَزَلْ يَوْمَهُ مُسْتَعْلِيًا عَلَيْهِمْ.
وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ جَامِعٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قِتَالًا لِأَصْحَابِ الْمُوَفَّقِ، وَثَبَتَ مَكَانَهُ، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِ كَمِينٌ لِلْمُوَفَّقِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَجُرِحَ سُلَيْمَانُ جِرَاحَةً فِي سَاقِهِ، وَسَقَطَ لِوَجْهِهِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ حَرِيقٌ، وَفِيهِ بَعْضُ الْجَمْرِ، فَاحْتَرَقَ بَعْضُ جَسَدِهِ، وَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ بَعْدَ أَنْ كَادَ يُؤْسَرُ، وَانْصَرَفَ الْمُوَفَّقُ سَالِمًا ظَافِرًا.
وَأَصَابَ الْمُوَفَّقَ مَرَضُ الْمَفَاصِلِ، فَبَقِيَ بِهِ شَهْرَ شَعْبَانَ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ، وَأَيَّامًا مِنْ شَوَّالٍ، وَأَمْسَكَ عَنْ حَرْبِ الزَّنْجِ، ثُمَّ بَرَأَ، وَتَمَاثَلَ، فَأَمَرَ بِإِعْدَادِ آلَةِ الْحَرْبِ.
ذِكْرُ إِحْرَاقِ قَنْطَرَةِ الْعَلَوِيِّ صَاحِبِ الزَّنْجِ
وَلَمَّا اشْتَغَلَ الْمُوَفَّقُ بِعِلَّتِهِ أَعَادَ الْخَبِيثُ الْقَنْطَرَةَ الَّتِي غَرِقَ عِنْدَهَا نُصَيْرٌ، وَزَادَ فِيهَا وَأَحْكَمَهَا، وَنَصَبَ دُونَهَا أَدْقَالَ سَاجٍ، وَأَلْبَسَهَا الْحَدِيدَ، وَسَكَّرَ أَمَامَ ذَلِكَ سِكَرًا مِنْ حِجَارَةٍ لِيُضَيِّقَ الْمَدْخَلَ عَلَى الشَّذَا، وَتَحْتَدَّ جَرْيَةُ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ، فَنَدَبَ الْمُوَفَّقُ أَصْحَابَهُ، وَسَيَّرَ طَائِفَةً مِنْ شَرْقِيِّ نَهْرِ أَبِي الْخَصِيبِ، وَطَائِفَةً مِنْ غَرْبِيِّهِ، وَأَرْسَلَ مَعَهُمَا النَّجَّارِينَ، وَالْفَعَلَةَ لِقَطْعِ الْقَنْطَرَةِ، وَمَا جُعِلَ أَمَامَهَا، وَأَمَرَ بِسُفُنٍ مَمْلُوءَةٍ مِنَ الْقَصَبِ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهَا النِّفْطُ، وَتَدْخُلَ النَّهْرَ، وَيُلْقَى فِيهَا النَّارُ لِيَحْتَرِقَ الْجِسْرُ، وَفَرَّقَ جُنْدَهُ عَلَى الْخُبَثَاءِ لِيَمْنَعُوهُمْ عَنْ مُعَاوَنَةِ مَنْ عِنْدَ الْقَنْطَرَةِ.
فَسَارَ النَّاسُ إِلَى مَا أَمَرَهُمْ بِهِ عَاشِرَ شَوَّالٍ، وَتَقَدَّمَتِ الطَّائِفَتَانِ إِلَى الْجِسْرِ، فَلَقِيَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute