للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَرَ بِالِاسْتِيثَاقِ مِنَ الْمُهَلَّبِيِّ، وَأَنْكِلَايَ، وَكَانَ مِمَّنْ هَرَبَ قِرْطَاسٌ الرُّومِيُّ الَّذِي رَمَى الْمُوَفَّقَ بِالسَّهْمِ فِي صَدْرِهِ، فَانْتَهَى إِلَى رَامَهُرْمُزَ، فَعَرَفَهُ رَجُلٌ، فَدَلَّ عَلَيْهِ عَامِلَ الْبَلَدِ، فَأَخَذَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْمُوَفَّقِ فَقَتَلَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ.

وَفِيهَا اسْتَأْمَنَ دَرْمَوَيْهِ الزِّنْجِيُّ إِلَى أَبِي أَحْمَدَ، وَكَانَ دَرْمَوَيْهِ مِنْ أَنْجَادِ الزِّنْجِ وَأَبْطَالِهِمْ، وَكَانَ الْخَبِيثُ قَدْ وَجَّهَهُ قَبْلَ هَلَاكِهِ بِمُدَّةٍ إِلَى مَوْضِعٍ كَثِيرِ الشَّجَرِ، وَالْأَدْغَالِ، وَالْآجَامِ، مُتَّصِلٍ بِالْبَطِيحَةِ، وَكَانَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ هُنَالِكَ عَلَى السَّابِلَةِ فِي زَوَارِيقَ خِفَافٍ، فَإِذَا طُلِبُوا دَخَلُوا الْأَنْهَارَ الصِّغَارَ الضَّيِّقَةَ، وَاعْتَصَمُوا بِالْأَدْغَالِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ مَسْلَكٌ لِضِيقِهِ حَمَلُوا سُفُنَهُمْ وَلَجَئُوا إِلَى الْأَمْكِنَةِ الْوَسِيعَةِ، وَيَعْبُرُونَ عَلَى قُرَى الْبَطِيحَةِ، وَيَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ، فَظَفِرَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ عَسْكَرِ الْمُوَفَّقِ مَعَهُمْ نِسَاءٌ قَدْ عَادُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ، فَقَتَلَ الرِّجَالَ، وَأَخَذَ النِّسَاءَ، فَسَأَلَهُنَّ عَنِ الْخَبَرِ، فَأَخْبَرْنَهُ بِقَتْلِ الْخَبِيثِ، وَأَسْرِ أَصْحَابِهِ، وَقُوَّادِهِ، وَمَصِيرِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى الْمُوَفَّقِ بِالْأَمَانِ، وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، فَسُقِطَ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَرَ لِنَفْسِهِ مَلْجَأً إِلَّا طَلَبَ الْأَمَانِ، وَالصَّفْحِ عَنْ جُرْمِهِ، فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، فَأَجَابَهُ الْمُوَفَّقُ إِلَيْهِ، فَخَرَجَ وَجَمِيعُ مَنْ مَعَهُ، حَتَّى وَافَى عَسْكَرَ الْمُوَفَّقِ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَمَّنَهُمْ.

فَلَمَّا اطْمَأَنَّ دَرْمَوَيْهِ أَظْهَرَ مَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَالْأَمْتِعَةِ، وَرَدَّهَا إِلَى أَرْبَابِهَا رَدًّا ظَاهِرًا، فَعُلِمَ بِذَلِكَ حُسْنُ نِيَّتِهِ، فَازْدَادَ إِحْسَانُ الْمُوَفَّقِ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ إِلَى أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالنِّدَاءِ فِي أَهْلِ النَّوَاحِي الَّتِي دَخَلَهَا الزِّنْجُ بِالرُّجُوعِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ، فَسَارَ النَّاسُ إِلَى ذَلِكَ ; وَأَقَامَ الْمُوَفَّقُ بِالْمَدِينَةِ الْمُوَفَّقِيَّةِ لِيَأْمَنَ النَّاسُ بِمُقَامِهِ، وَوَلَّى الْبَصْرَةَ، وَالْأُبُلَّةَ، وَكُوَرَ دِجْلَةَ، رَجُلًا مِنْ قُوَّادِهِ قَدْ حَمِدَ مَذْهَبَهُ، وَعَلِمَ حُسْنَ سِيرَتِهِ، يُقَالُ لَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ تَرْكُسَ، وَأَمَرَهُ بِالْمُقَامِ بِالْبَصْرَةِ، وَوَلَّى قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَالْأُبُلَّةِ وَكُوَرَ دِجْلَةَ مُحَمَّدَ بْنَ حَمَّادٍ.

وَقَدَّمَ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ إِلَى بَغْدَاذَ، وَمَعَهُ رَأْسُ الْخَبِيثِ لِيَرَاهُ النَّاسُ، فَبَلَغَهَا لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.

وَكَانَ خُرُوجُ صَاحِبِ الزِّنْجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَرْبَعٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقُتِلَ يَوْمَ السَّبْتِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>