وَاتَّصَلَتْ حَتَّى صَارَ مِنْهَا ذَرَبٌ، وَكَانَ الْأَطِبَّاءُ يُعَالِجُونَهُ، وَهُوَ يَأْكُلُ سِرًّا، فَلَمْ يَنْجَعِ الدَّوَاءُ، فَتُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَكَانَتْ إِمَارَتُهُ نَحْوَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ عَاقِلًا، حَازِمًا، كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ مُتَدَيِّنًا، يُحِبُّ الْعُلَمَاءَ وَأَهْلَ الدِّينِ، وَعَمِلَ كَثِيرًا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ الَّذِي بَنَى قَلْعَةَ يَافَا، وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ بِغَيْرِ قَلْعَةٍ.
وَكَانَ يَمِيلُ إِلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَيُكْرِمُ أَصْحَابَهُ.
وَوَلِيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ خُمَارَوَيْهِ، وَأَطَاعَهُ الْقُوَّادُ، وَعَصَى عَلَيْهِ نَائِبُ أَبِيهِ بِدِمَشْقَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ الْعَسَاكِرَ فَأَجْلَوْهُ، وَسَارُوا مِنْ دِمَشْقَ إِلَى شَيْزَرَ.
ذِكْرُ مَسِيرِ إِسْحَاقَ بْنِ كُنْدَاجِيقَ إِلَى الشَّامِ
لَمَّا تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بْنُ طُولُونَ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ كُنْدَاجِيقَ عَلَى الْمَوْصِلِ وَالْجَزِيرَةِ، فَطَمِعَ هُوَ وَابْنُ أَبِي السَّاجِ فِي الشَّامِ، وَاسْتَصْغَرَا أَوْلَادَ أَحْمَدَ، وَكَاتَبَا الْمُوَفَّقَ بِاللَّهِ فِي ذَلِكَ، وَاسْتَمَدَّاهُ فَأَمَرَهُمَا بِقَصْدِ الْبِلَادِ، وَوَعَدَهُمَا إِنْفَاذَ الْجُيُوشِ، فَجَمَعَا، وَقَصَدَا مَا يُجَاوِرُهُمَا مِنَ الْبِلَادِ، فَاسْتَوْلَيَا عَلَيْهِ وَأَعَانَهُمَا النَّائِبُ بِدِمَشْقَ لِأَحْمَدَ بْنِ طُولُونَ، وَوَعَدَهُمَا الِانْحِيَازَ إِلَيْهِمَا، فَتَرَاجَعَ مَنْ بِالشَّامِ مِنْ نُوَّابِ أَحْمَدَ بِأَنْطَاكِيَةَ، وَحَلَبَ، وَحِمْصَ، وَعَصَى مُتَوَلِّي دِمَشْقَ، وَاسْتَوْلَى إِسْحَاقُ عَلَى ذَلِكَ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى أَبِي الْجَيْشِ خُمَارَوَيْهِ بْنِ أَحْمَدَ، فَسَيَّرَ الْجُيُوشَ إِلَى الشَّامِ فَمَلَكُوا دِمَشْقَ، وَهَرَبَ النَّائِبُ الَّذِي كَانَ بِهَا، (وَسَارَ عَسْكَرُ خُمَارَوَيْهِ) مِنْ دِمَشْقَ إِلَى شَيْزَرَ لِقِتَالِ إِسْحَاقَ بْنِ كُنْدَاجِيقَ وَابْنِ أَبِي السَّاجِ، فَطَاوَلَهُمْ إِسْحَاقُ يَنْتَظِرُ الْمَدَدَ مِنَ الْعِرَاقِ، وَهَجَمَ الشِّتَاءُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَأَضَرَّ بِأَصْحَابِ ابْنِ طُولُونَ، فَتَفَرَّقُوا فِي الْمَنَازِلِ بِشَيْزَرَ.
وَوَصَلَ الْعَسْكَرُ الْعِرَاقِيُّ إِلَى كُنْدَاجِيقَ، وَعَلَيْهِمْ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْمُوَفَّقِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute