وَعَبَرَ نَفَرٌ مِنَ الْجُنْدِ، فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، حَتَّى أَشْرَفُوا عَلَى دَيْرٍ قَدْ نَزَلَهُ، فَلَمَّا رَآهُمْ هَرَبَ، وَتَرَكَ مَالَهُ، فَأُخِذَ وَأُتِيَ بِهِ الْمُعْتَضِدَ.
وَسَارَ أُولَئِكَ فِي طَلَبِ حَمْدَانَ، فَضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ، فَقَصَدَ خَيْمَةَ إِسْحَاقَ بْنِ أَيُّوبَ، وَهُوَ مَعَ الْمُعْتَضِدِ، وَاسْتَجَارَ بِهِ، فَأَحْضَرَهُ إِسْحَاقُ عِنْدَ الْمُعْتَضِدِ، فَأَمَرَ بِالِاحْتِفَاظِ بِهِ وَتَتَابَعَ رُؤَسَاءُ الْأَكْرَادِ فِي طَلَبِ الْأَمَانِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ.
ذِكْرُ انْهِزَامِ هَارُونَ الْخَارِجِيِّ مِنْ عَسْكَرِ الْمَوْصِلِ
كَانَ الْمُعْتَضِدُ بِاللَّهِ قَدْ خَلَّفَ بِالْمَوْصِلِ نَصْرًا الْقُشُورِيَّ يَجْبِي الْأَمْوَالَ، وَيُعِينُ الْعُمَّالَ عَلَى جِبَايَتِهَا، فَخَرَجَ عَامِلُ مَعْلَثَايَا إِلَيْهَا وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ نَصْرٍ، فَوَقَعَ عَلَيْهِمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَاقْتَتَلُوا إِلَى أَنْ أَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمْ، وَقُتِلَ مِنَ الْخَوَارِجِ إِنْسَانٌ اسْمُهُ جَعْفَرٌ، وَهُوَ مِنْ أَعْيَانِ أَصْحَابِ هَارُونَ، فَعَظُمَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْإِفْسَادِ فِي الْبِلَادِ.
فَكَتَبَ نَصْرٌ الْقُشُورِيُّ إِلَى هَارُونَ الْخَارِجِيِّ كِتَابًا يَتَهَدَّدُهُ بِقُرْبِ الْخَلِيفَةِ، وَأَنَّهُ إِنْ هَمَّ بِهِ أَهْلَكَهُ وَأَهْلَكَ أَصْحَابَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَغْتَرُّ بِمَنْ سَارَ إِلَى حَرْبِهِ فَعَادَ عَنْهُ بِمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ هَارُونُ كِتَابًا، مِنْهُ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِمَّنْ أَرَادَ قَصْدِي، وَرَجَعَ عَنِّي، فَإِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا جِدَّنَا، وَاجْتِهَادَنَا كَانُوا بِإِذْنِ اللَّهِ فَرَاشًا مُتَتَابِعًا، وَنَحْنُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْهُمْ، وَمَا غَرَّكَ، إِلَّا مَا أَصَبْتَ بِهِ صَاحِبَنَا، فَظَنَنْتَ أَنَّ دَمَهُ مَطْلُولٌ، أَوْ أَنَّ وَتَرَهُ مَتْرُوكٌ لَكَ، كَلَّا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ وَرَائِكَ، وَآخِذٌ بِنَاصِيَتِكَ، وَمُعِينٌ عَلَى إِدْرَاكِ الْحَقِّ مِنْكَ، وَلِمَ تُعَيِّرُنَا بِغَيْرِكَ وَتَدَعُ أَنْ يَكُونَ مَكَانُ ذَلِكَ إِبْدَاءَ صَحْفَتِكَ، وَإِظْهَارَ عَدَاوَتِكَ؟ وَإِنَّا إِيَّاكَ كَمَا قِيلَ:
فَلَا تُوعِدْنَا بِاللِّقَاءِ وَأَبْرِزُوا ... إِلَيْنَا سَوَادًا نَلْقَهُ بِسَوَادِ
وَلَعَمْرُ اللَّهِ مَا نَدْعُو إِلَى الْبِرَازِ ثِقَةً بِأَنْفُسِنَا، وَلَا عَنْ ظَنٍّ أَنَّ الْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ لَنَا، لَكِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute