إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَسَأَلَ عَنْهُ، فَكَتَمُوهُ فَتَهَدَّدَهُمْ، فَأَعْلَمُوهُ أَنَّهُ اجْتَازَ بِهِمْ، فَتَبِعَهُ حَتَّى لَحِقَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ، وَهَارُونُ فِي نَحْوِ مِائَةِ رَجُلٍ، فَنَاشَدَهُ الشَّارِيُّ وَوَعَدَهُ، وَأَبَى حُسَيْنٌ إِلَّا مُحَارَبَتَهُ، فَحَارَبَهُ فَأَلْقَى الْحُسَيْنُ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ أَسِيرًا وَجَاءَ بِهِ إِلَى الْمُعْتَضِدِ، فَانْصَرَفَ الْمُعْتَضِدُ إِلَى بَغْدَادَ، (فَوَصَلَهَا لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ) .
وَخَلَعَ الْمُعْتَضِدُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ حَمْدَانَ، وَطَوَّقَهُ، وَخَلَعَ عَلَى إِخْوَتِهِ، وَأُدْخِلَ هَارُونُ عَلَى الْفِيلِ، وَأَمَرَ الْمُعْتَضِدُ بِحَلِّ قُيُودِ حَمْدَانَ بْنِ حَمْدُونَ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَوَعَدَ بِإِطْلَاقِهِ.
وَلَمَّا أَرْكَبُوا هَارُونَ عَلَى الْفِيلِ أَرَادُوا أَنْ يُلْبِسُوهُ دَيْبَاجًا مُشَهَّرًا، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: هَذَا لَا يَحِلُّ ; فَأَلْبَسُوهُ كَارِهًا، وَلَمَّا صُلِبَ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ هَارُونُ صُفْرِيًّا.
ذِكْرُ عِصْيَانِ دِمَشْقَ عَلَى جَيْشِ بْنِ خُمَارَوَيْهِ، وَخِلَافِ جُنْدِهِ عَلَيْهِ، وَقَتْلِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُوَّادِ جَيْشِ بْنِ خُمَارَوَيْهِ عَلَيْهِ، وَجَاهَرُوا بِالْمُخَالَفَةِ، وَقَالُوا: لَا نَرْضَى بِكَ أَمِيرًا، فَاعْتَزِلْنَا حَتَّى نُوَلِّيَ عَمَّكَ الْإِمَارَةَ. وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وُلِّيَ وَكَانَ صَبِيًّا قَرَّبَ الْأَحْدَاثَ، وَالسُّفَّلَ، وَأَخْلَدَ إِلَى اسْتِمَاعِ أَقْوَالِهِمْ، فَغَيَّرُوا نِيَّتَهُ عَلَىَ قُوَّادِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَصَارَ يَقَعُ فِيهِمْ وَيَذُمُّهُمْ، وَيُظْهِرُ الْعَزْمَ عَلَى الِاسْتِبْدَالِ بِهِمْ، وَأَخْذِ نِعَمِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ، وَيُقِيمُوا عَمَّهُ، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ، فَلَمْ يَكْتُمْهُ بَلْ أَطْلَقَ لِسَانَهُ فِيهِمْ، فَفَارَقَهُ بَعْضُهُمْ، وَخَلَعَهُ طُغَجُ بْنُ جَفٍّ أَمِيرُ دِمَشْقَ.
وَسَارَ الْقُوَّادُ الَّذِينَ فَارَقُوهُ إِلَى بَغْدَادَ، وَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ كُنْدَاجِيقَ، وَخَاقَانُ الْمُفْلِحِيُّ، وَبَدْرُ بْنُ جَفٍّ، أَخُو طُغَجَ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ قُوَّادِ مِصْرَ، فَسَلَكُوا الْبَرِّيَّةَ، وَتَرَكُوا أَهَالِيَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، فَتَاهُوا أَيَّامًا، وَمَاتَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَطَشِ، وَخَرَجُوا فَوْقَ الْكُوفَةِ بِمَرْحَلَتَيْنِ، وَقَدِمُوا عَلَى الْمُعْتَضِدِ، فَخَلَعَ عَلَيْهِمْ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute