اللَّيْلُ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ انْصَرَفَ عَنِ الْعَبَّاسِ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَعْرَابِ بَنِي ضَبَّةَ، وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ، إِلَى الْبَصْرَةِ، وَتَبِعَهُمْ مُطَّوِّعَةُ الْبَصْرَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْعَبَّاسُ بَاكَرَ الْحَرْبَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا.
ثُمَّ حَمَلَ نَجَاحٌ غُلَامُ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَى بْنِ الشَّيْخِ مِنْ مَيْسَرَةِ الْعَبَّاسِ فِي مِائَةِ رَجُلٍ عَلَى مَيْمَنَةِ أَبِي سَعِيدٍ، فَوَغَلُوا فِيهِمْ، فَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَحَمَلَ الْجَنَّابِيُّ وَمَنْ مَعَهُ عَلَى أَصْحَابِ الْعَبَّاسِ، فَانْهَزَمُوا وَأُسِرَ الْعَبَّاسُ، وَاحْتَوَى الْجَنَّابِيُّ عَلَى مَا كَانَ فِي عَسْكَرِهِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَحْضَرَ الْجَنَّابِيُّ الْأَسْرَى فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا وَحَرَّقَهُمْ، وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ آخِرَ شَعْبَانَ.
ثُمَّ سَارَ الْجَنَّابِيُّ إِلَى هَجَرَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ، فَدَخَلَهَا وَأَمَّنَ أَهْلَهَا، وَانْصَرَفَ مَنْ سَلِمَ مِنَ الْمُنْهَزِمِينَ، وَهُمْ قَلِيلٌ نَحْوَ الْبَصْرَةِ بِغَيْرِ زَادٍ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْبَصْرَةِ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ رَجُلٍ عَلَى الرَّوَاحِلِ، وَمَعَهُمُ الطَّعَامُ، وَالْكِسْوَةُ وَالْمَاءُ، فَلَقُوا بِهَا الْمُنْهَزِمِينَ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ بَنُو أَسَدٍ، وَأَخَذُوا الرَّوَاحِلَ وَمَا عَلَيْهَا، وَقَتَلُوا مَنْ سَلِمَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ، فَاضْطَرَبَتِ الْبَصْرَةُ لِذَلِكَ، وَعَزَمَ أَهْلُهَا عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْهَا، فَمَنَعَهُمُ الْوَاثِقِيُّ.
وَبَقِيَ الْعَبَّاسُ عِنْدَ الْجَنَّابِيِّ أَيَّامًا ثُمَّ أَطْلَقَهُ، وَقَالَ لَهُ: امْضِ إِلَى صَاحِبِكَ، وَعَرِّفْهُ مَا رَأَيْتَ، وَحَمَلَهُ عَلَى رَوَاحِلَ، فَوَصَلَ إِلَى بَعْضِ السَّوَاحِلِ وَرَكِبَ الْبَحْرَ فَوَافَى الْأُبُلَّةَ، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى بَغْدَاذَ فَوَصَلَهَا فِي رَمَضَانَ، فَدَخَلَ عَلَى الْمُعْتَضِدِ فَخَلَعَ عَلَيْهِ.
بَلَغَنِي أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ قَالَ: عَجَائِبُ الدُّنْيَا ثَلَاثٌ: جَيْشُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَمْرٍو يُؤْسَرُ وَحْدَهُ، وَيَنْجُو وَحْدَهُ، وَيُقْتَلُ جَمِيعُ جَيْشِهِ ; وَجَيْشُ عَمْرِو بْنِ الصَّفَّارِ (يُؤْسَرُ وَحْدَهُ، وَيَسْلَمُ) جَمِيعُ جَيْشِهِ ; وَأَنَا أَنْزِلُ فِي بَيْتِي، وَتَوَلِّي ابْنِي أَبُو الْعَبَّاسِ الْجِسْرَيْنِ بِبَغْدَاذَ.
وَلَمَّا أَطْلَقَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَبَّاسَ أَعْطَاهُ دَرَجًا مُلْصَقًا وَقَالَ لَهُ: أَوْصِلْهُ إِلَى الْمُعْتَضِدِ فَإِنَّ لِي فِيهِ أَسْرَارًا. فَلَمَّا دَخَلَ الْعَبَّاسُ عَلَى الْمُعْتَضِدِ (عَاتَبَهُ الْمُعْتَضِدُ) فَأَوْصَلَ إِلَيْهِ الْعَبَّاسُ الْكِتَابَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَنِي أَنِّي أَنْفَذْتُكَ إِلَيْهِ فِي الْعَدَدِ الْكَثِيرِ، فَرَدَّكَ فَرْدًا ; وَفَتَحَ الْكِتَابَ وَإِذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute