للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ النَّوَاحِيَ لِكَثْرَةِ جَمْعِهِ، وَصَارَ عَمْرٌو كَالْمُحَاصَرِ، وَنَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ، وَطَلَبَ الْمُحَاجَزَةَ، فَأَبَى إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ، فَاقْتَتَلُوا، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ كَثِيرُ قِتَالٍ حَتَّى انْهَزَمَ عَمْرٌو فَوَلَّى هَارِبًا، وَمَرَّ بِأَجَمَةٍ فِي طَرِيقِهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا أَقْرَبُ الطُّرُقِ، فَقَالَ لِعَامَّةِ مَنْ مَعَهُ: امْضُوا فِي الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ ; وَسَارَ هُوَ فِي نَفَرٍ يَسِيرٍ، فَدَخَلَ الْأَجَمَةَ، فَوَحَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي نَفْسِهِ حِيلَةٌ، وَمَضَى مَنْ مَعَهُ وَلَمْ يُعَرِّجُوا عَلَيْهِ، وَجَاءَ أَصْحَابُ إِسْمَاعِيلَ فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا، فَسَيَّرَهُ إِسْمَاعِيلُ إِلَى سَمَرْقَنْدَ.

وَلَمَّا وَصَلَ الْخَبَرُ إِلَى الْمُعْتَضِدِ ذَمَّ عَمْرًا وَمَدَحَ إِسْمَاعِيلَ، ثُمَّ إِنَّ إِسْمَاعِيلَ خَيَّرَ عَمْرًا بَيْنَ مُقَامِهِ عِنْدَهُ، أَوْ إِنْفَاذِهِ إِلَى الْمُعْتَضِدِ، فَاخْتَارَ الْمُقَامَ عِنْدَ الْمُعْتَضِدِ، فَسَيَّرَهُ إِلَيْهِ، فَوَصَلَ إِلَى بَغْدَاذَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَلَمَّا وَصَلَ رُكِّبَ عَلَى جَمَلٍ وَأُدْخِلَ بَغْدَاذَ، ثُمَّ حُبِسَ، فَبَقِيَ مَحْبُوسًا حَتَّى قُتِلَ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.

وَأَرْسَلَ الْمُعْتَضِدُ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بِالْخِلَعِ، وَوَلَّاهُ مَا كَانَ بِيَدِ عَمْرٍو، وَخَلَعَ عَلَى نَائِبِهِ بِالْحَضْرَةِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَرْزُبَانِيِّ، وَاسْتَوْلَى إِسْمَاعِيلُ عَلَى خُرَاسَانَ وَصَارَتْ بِيَدِهِ.

وَكَانَ عَمْرٌو أَعْوَرَ شَدِيدَ السُّمْرَةِ، عَظِيمَ السِّيَاسَةِ، قَدْ مَنَعَ أَصْحَابَهُ وَقُوَّادَهُ أَنْ (يَضْرِبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ غُلَامًا) إِلَّا بِأَمْرِهِ، أَوْ يَتَوَلَّى عُقُوبَةَ الْغُلَامِ نَائِبُهُ، أَوْ أَحَدُ حُجَّابِهِ، وَكَانَ يَشْتَرِي الْمَمَالِيكَ الصِّغَارَ، وَيُرَبِّيهِمْ، وَيَهَبُهُمْ لِقُوَّادِهِ وَيُجْرِي عَلَيْهِمُ الْجِرَايَاتِ الْحَسَنَةِ سِرًّا، لِيُطَالِعُوهُ بِأَحْوَالِ قُوَّادِهِ، وَلَا يَنْكَتِمُ عَنْهُ مِنْ أَخْبَارِهِمْ شَيْءٌ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ مَنْ يَنْقُلُ إِلَيْهِ عَنْهُمْ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ يَحْذَرُهُ وَهُوَ وَحْدَهُ.

حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَامِلٌ بِفَارِسَ يُقَالُ لَهُ أَبُو حُصَيْنٍ، فَسَخِطَ عَلَيْهِ عَمْرٌو، وَأَلْزَمَهُ أَنْ يَبِيعَ أَمْلَاكَهُ، (وَيُوصِلَ ثَمَنَهَا إِلَيْهِ) ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ أَدَّاهَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِلَّا قَتَلَهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْكَاتِبِ يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَاجْتَمَعَ بِهِ، وَعَرَّفَهُ ضِيقَ يَدِهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ لِيَخْرُجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>