مِنْ مَحْبَسِهِ وَيَسْعَى فِي تَحْصِيلِ الْمَبْلَغِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ، فَفَعَلَ وَأَخْرَجَهُ، فَلَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَعَادَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْكَاتِبِ، فَبَلَغَ خَبَرُهُ عَمْرًا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا أَعْجَبُ، مِنْ أَبِي سَعِيدٍ فِيمَا فَعَلَ مِنْ بَذْلِ مِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، أَمْ مِنْ أَبِي حُصَيْنٍ كَيْفَ عَادَ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ الْقَتْلُ! ثُمَّ أَمَرَ بِإِطْلَاقِ مَا عَلَيْهِ وَرَدَّهُ إِلَى مَنْزِلَتِهِ.
وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أَحْمَالًا كَثِيرَةً مِنَ الْجُرُبِ، وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَا مُرَادُهُ، فَاتَّفَقَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ أَنَّهُ قَصَدَ طَائِفَةً مِنَ الْعُصَاةِ عَلَيْهِ (لِلْإِيقَاعِ بِهِمْ) ، فَسَلَكَ طَرِيقًا لَا تَظُنُّ الْعُصَاةُ أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ مِنْهُ، وَكَانَ فِي طَرِيقِهِ وَادٍ، فَأَمَرَ بِتِلْكَ الْجُرُبِ فَمُلِئَتْ تُرَابًا، وَأَحْجَارًا، وَنَضَّدَ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، وَجَعَلَهَا طَرِيقًا فِي الْوَادِي، فَعَبَرَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهَا، وَأَتَاهُمْ وَهُمْ آمِنُونَ فَأَثْخَنَ فِيهِمْ وَبَلَغَ مِنْهُمْ مَا أَرَادَ.
وَحُكِيَ أَيْضًا أَنَّ أَكْبَرَ حُجَّابِهِ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدَ بْنَ بَشِيرٍ، وَكَانَ يَخْلُفُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهِ الْعِظَامِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا، وَأَخَذَ يُعَدِّدُ عَلَيْهِ ذُنُوبَهُ، فَحَلَفَ مُحَمَّدٌ بِاللَّهِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِلَّا خَمْسِينَ بِدْرَةً، وَهُوَ يَحْمِلُهَا إِلَى الْخِزَانَةِ، وَلَا يَجْعَلُ لَهُ ذَنْبًا لَمْ يَعْلَمْهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: مَا أَعْقَلَكَ مِنْ رَجُلٍ! احْمِلْهَا إِلَى الْخِزَانَةِ، فَحَمَلَهَا، فَرَضِيَ عَنْهُ، وَمَا أَقْبَحَ هَذَا مِنْ فِعْلٍ (وَشَرَهٍ إِلَى أَمْوَالِ) مَنْ أَذْهَبَ عُمْرَهُ فِي خِدْمَتِهِ!
ذِكْرُ قَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَلَوِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ الْعَلَوِيُّ، صَاحِبُ طَبَرِسْتَانَ وَالدَّيْلَمِ.
وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِهِ أَسْرُ عَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ الصَّفَّارِ خَرَجَ مِنْ طَبَرِسْتَانَ نَحْوَ خُرَاسَانَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ السَّامَانِيَّ لَا يَتَجَاوَزُ عَمَلَهُ، وَلَا يَقْصِدُ خُرَاسَانَ، وَأَنَّهُ لَا دَافِعَ لَهُ عَنْهَا.
فَلَمَّا سَارَ إِلَى جُرْجَانَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ، وَقَدِ اسْتَوْلَى عَلَى خُرَاسَانَ، يَقُولُ لَهُ: الْزَمْ عَمَلَكَ، وَلَا تَتَجَاوَزْ عَمَلَهُ، وَلَا تَقْصِدْ خُرَاسَانَ ; وَتَرَكَ جُرْجَانَ لَهُ، فَأَبَى ذَلِكَ مُحَمَّدٌ، فَنَدَبَ إِلَيْهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ مُحَمَّدَ بْنَ هَارُونَ، وَمُحَمَّدٌ هَذَا كَانَ يَخْلُفُ رَافِعَ بْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute