هَرْثَمَةَ أَيَّامَ وِلَايَتِهِ خُرَاسَانَ، فَجَمَعَ مُحَمَّدٌ جَمْعًا كَثِيرًا مِنْ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ، وَسَارَ نَحْوَ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، فَالْتَقَوْا عَلَى بَابِ جُرْجَانَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ وَقَدْ تَفَرَّقَ أَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ فِي الطَّلَبِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَدْ رَجَعَ إِلَيْهِمْ وَلَّوْا هَارِبِينَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَأَصَابَتِ ابْنَ زَيْدٍ ضَرَبَاتٌ، وَأُسِرَ ابْنُهُ زَيْدٌ، وَغَنِمَ ابْنُ هَارُونَ عَسْكَرَهُ وَمَا فِيهِ، ثُمَّ مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ بَعْدَ أَيَّامٍ مِنْ جِرَاحَاتِهِ الَّتِي أَصَابَتْهُ، فَدُفِنَ عَلَى بَابِ جُرْجَانَ.
وَحُمِلَ ابْنُهُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ، فَأَكْرَمَهُ وَوَسَّعَ فِي الْإِنْزَالِ عَلَيْهِ، وَأَنْزَلَهُ بُخَارَى، وَسَارَ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ إِلَى طَبَرِسْتَانَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ فَاضِلًا، أَدِيبًا، شَاعِرًا، عَارِفًا، حَسَنَ السِّيرَةِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ الْأَسْتَرَابَاذِيُّ: كُنْتُ أُورِدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَارَ الْعَبَّاسِيِّينَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ قَدْ لَقَّبُوا أَنْفُسَهُمْ، فَإِذَا ذَكَرْتَهُمْ عِنْدَكَ أُسَمِّيهِمْ، أَوْ أُلَقِّبُهُمْ؟ فَقَالَ: الْأَمْرُ مُوَسَّعٌ عَلَيْكَ، سَمِّهِمْ وَلَقِّبْهُمْ بِأَحْسَنِ أَلْقَابِهِمْ وَأَسْمَائِهِمْ، وَأَحَبِّهَا إِلَيْهِمْ.
وَقِيلَ حَضَرَ عِنْدَهُ خَصْمَانِ أَحَدُهُمَا اسْمُهُ مُعَاوِيَةُ وَالْآخَرُ اسْمُهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ: الْحُكْمُ بَيْنَكُمَا ظَاهِرٌ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّ تَحْتَ هَذَيْنِ الْاسْمَيْنِ خَبَرًا، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ مِنْ صَادِقِي الشِّيعَةِ، فَسَمَّانِي مُعَاوِيَةَ لِيَنْفِيَ شَرَّ النَّوَاصِبِ، وَإِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ نَاصِبِيًّا، فَسَمَّاهُ عَلِيًّا خَوْفًا مِنَ الْعَلَوِيَّةِ وَالشِّيعَةِ. فَتَبَسَّمَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَقَرَّبَهُ.
وَقِيلَ: اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَضِرَّاءِ الشِّيعَةِ وَقُرَّائِهِمْ، فَقَالَ: ادْخُلُوا، فَإِنَّهُ لَا يُحِبُّنَا إِلَّا كُلُّ كَسِيرٍ وَأَعْوَرَ.
ذِكْرُ وِلَايَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ صِقِلِّيَةَ
كَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ الْأَمِيرِ أَحْمَدَ أَمِيرِ إِفْرِيقِيَّةَ قَدِ اسْتَعْمَلَ عَلَى صِقِلِّيَةَ أَبَا مَالِكٍ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَاسْتَضْعَفَهُ، فَوَلَّى بَعْدَهُ ابْنَهُ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْأَغْلَبِ، فَوَصَلَ إِلَيْهَا غُرَّةَ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ مَرْكَبًا، وَأَرْبَعِينَ حَرْبِيٍّ، وَحَصَرَ طَرَابُلُسَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute