ذِكْرُ صِفَتِهِ وَسِيرَتِهِ
كَانَ الْمُعْتَضِدُ أَسْمَرَ، نَحِيفَ الْجِسْمِ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَكَانَ شَهْمًا شُجَاعًا مِقْدَامًا ; (وَكَانَ ذَا عَزْمٍ) ، وَكَانَ فِيهِ شُحٌّ ; بَلَغَهُ خَبَرُ وَصَيْفٍ خَادِمِ ابْنِ أَبِي السَّاجِ، وَعَلَيْهِ قِبَاءٌ أَصْفَرُ، فَسَارَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَظَفِرَ بِوَصِيفٍ، وَعَادَ. فَدَخَلَ أَنْطَاكِيَةَ، وَعَلَيْهِ الْقِبَاءُ، فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِهَا: الْخَلِيفَةُ بِغَيْرِ سَوَادٍ ; فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: إِنَّهُ سَارَ فِيهِ، وَلَمْ يَنْزِعْهُ عَنْهُ إِلَى الْآنَ، وَكَانَ عَفِيفًا.
حَكَى الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْمُعْتَضِدِ، وَعَلَى رَأْسِهِ أَحْدَاثٌ رُومٌ صِبَاحُ الْوُجُوهِ، فَأَطَلْتُ النَّظَرَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا قُمْتُ أَمَرَنِي بِالْقُعُودِ، فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ قَالَ: يَا قَاضِي، وَاللَّهِ مَا حَلَلْتُ سَرَاوِيلِي عَلَى غَيْرِ حَلَالٍ قَطُّ.
وَكَانَ مَهِيبًا عِنْدَ أَصْحَابِهِ يَتَّقُونَ سَطْوَتَهُ، وَيَكُفُّونَ عَنِ الظُّلْمِ خَوْفًا مِنْهُ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ الْمُكْتَفِي بِاللَّهِ وَلَمَّا تُوُفِّيَ الْمُعْتَضِدُ كَتَبَ الْوَزِيرُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ الْمُعْتَضِدِ، وَهُوَ الْمُكْتَفِي بِاللَّهِ، يُعَرِّفُهُ بِذَلِكَ وَيَأْخُذُ الْبَيْعَةَ لَهُ، وَكَانَ بِالرَّقَّةِ. فَلَمَّا وَصَلَهُ الْخَبَرُ أَخَذَ الْبَيْعَةَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْأَجْنَادِ، وَوَضَعَ لَهُمُ الْعَطَاءَ، وَسَارَ إِلَى بَغْدَاذَ، وَوَجَّهَ إِلَى النَّوَاحِي مِنْ دِيَارِ رَبِيعَةَ. وَمُضَرَ، وَنَوَاحِي الْعَرَبِ مَنْ يَحْفَظُهَا، وَدَخَلَ بَغْدَاذَ، لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، فَلَمَّا سَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَمَرَ بِهَدْمِ الْمَطَامِيرِ الَّتِي كَانَ أَبُوهُ اتَّخَذَهَا لِأَهْلِ الْجَرَائِمِ.
ذِكْرُ قَتْلِ عَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ الصَّفَّارِ
وَفِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ الْمُكْتَفِي بَغْدَاذَ قُتِلَ عَمْرُو بْنُ اللَّيْثِ الصَّفَّارُ وَدُفِنَ مِنَ الْغَدِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute