ثُمَّ سَارَ إِلَى أَطْرَافِ حِمْصَ، فَغَلَبَ عَلَيْهَا، وَخُطِبَ لَهُ عَلَى مَنَابِرِهَا، وَتَسَمَّى الْمَهْدِيَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَتَاهُ ابْنُ عَمِّهِ عِيسَى بْنُ الْمَهْدِيِّ، الْمُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَلَقَّبَهُ الْمُدَّثِّرَ وَعَهِدَ إِلَيْهِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمُدَّثِّرُ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ، وَلَقَّبَ غُلَامًا مِنْ أَهْلِهِ الْمُطَوَّقَ، وَقَلَّدَهُ قَتْلَ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ.
وَلَمَّا أَطَاعَهُ أَهْلُ حِمْصَ، وَفَتَحُوا لَهُ بَابَهَا خَوْفًا مِنْهُ، سَارَ إِلَى حَمَاةَ، وَمَعَرَّةِ النُّعْمَانِ، وَغَيْرِهِمَا، فَقَتَلَ أَهْلَهَا، وَقَتَلَ النِّسَاءَ، وَالصِّبْيَانَ. ثُمَّ سَارَ إِلَى بَعْلَبَكَّ، فَقَتَلَ عَامَّةَ أَهْلِهَا، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْيَسِيرُ. ثُمَّ سَارَ إِلَى سَلَمِيَّةَ فَمَنَعَهُ أَهْلُهَا، ثُمَّ صَالَحَهُمْ، وَأَعْطَاهُمُ الْأَمَانَ، فَفَتَحُوا لَهُ بَابَهَا، فَبَدَأَ بِمَنْ فِيهَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَكَانُوا جَمَاعَةً، فَقَتَلَهُمْ أَجْمَعِينَ، ثُمَّ قَتَلَ الْبَهَائِمَ، وَالصِّبْيَانَ بِالْمَكَاتِبِ. ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا، وَلَيْسَ بِهَا عَيْنٌ تَطْرِفُ.
وَسَارَ فِيمَا حَوْلَهَا مِنَ الْقُرَى يَسْبِي، وَيَقْتُلُ وَيُخِيفُ السَّبِيلَ. فَذُكِرَ عَنْ مُتَطَبِّبٍ بِبَابِ الْمُحَوَّلِ يُدْعَى أَبَا الْحُسَيْنِ قَالَ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ بَعْدَمَا أُدْخِلَ الْقَرْمَطِيُّ صَاحِبُ الشَّامَةِ بَغْدَادَ، وَقَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ تُعَالِجَ جُرْحًا فِي كَتِفِي ; فَقُلْتُ: هَهُنَا امْرَأَةٌ تُعَالِجُ النِّسَاءَ فَانْتَظَرَتْهَا، فَقَعَدَتْ وَهِيَ بَاكِيَةٌ مَكْرُوبَةٌ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ قِصَّتِهَا قَالَتْ: كَانَ لِي وَلَدٌ طَالَتْ غَيْبَتُهُ عَنِّي، فَخَرَجْتُ أَطُوفُ عَلَيْهِ الْبِلَادَ، فَلَمْ أَرَهُ، فَخَرَجْتُ مِنَ الرَّقَّةِ فِي طَلَبِهِ، فَوَقَعْتُ فِي عَسْكَرِ الْقَرْمَطِيِّ أَطْلُبُهُ، فَرَأَيْتُهُ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ حَالِي وَحَالَ إِخْوَتِهِ، فَقَالَ: دَعِينِي مِنْ هَذَا، أَخْبِرِينِي مَا دِينُكِ؟ فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُ مَا دِينِي؟ فَقَالَ: مَا كُنَّا فِيهِ بَاطِلٌ، وَالدِّينُ مَا نَحْنُ فِيهِ الْيَوْمَ، فَعَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ، وَخَرَجَ وَتَرَكَنِي، وَوَجَّهَ بِخُبْزٍ [وَلَحْمٍ] فَلَمْ أَمَسَّهُ، حَتَّى عَادَ فَأَصْلَحَهُ.
وَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَسَأَلَنِي هَلْ أُحْسِنُ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَدْخَلَنِي دَارًا فَإِذَا امْرَأَةٌ تَطْلُقُ، فَقَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَجَعَلْتُ أُكَلِّمُهَا وَلَا تُكَلِّمُنِي، حَتَّى وَلَدَتْ غُلَامًا، فَأَصْلَحْتُ مِنْ شَأْنِهِ، وَتَلَطَّفْتُ بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْنِي، فَسَأَلْتُهَا عَنْ حَالِهَا، فَقَالَتْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute