أَنَا امْرَأَةٌ هَاشِمِيَّةٌ أَخَذَنَا هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامُ، فَذَبَحُوا أَبِي، وَأَهْلِي جَمِيعًا، وَأَخَذَنِي صَاحِبُهُمْ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ (خَمْسَةَ أَيَّامٍ) ، ثُمَّ أَمَرَ بِقَتْلِي، فَطَلَبَنِي مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَنْفُسٍ مِنْ قُوَّادِهِ، فَوَهَبَنِي لَهُمْ، وَكُنْتُ مَعَهُمْ، فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِمَّنْ هَذَا الْوَلَدُ مِنْهُمْ.
قَالَتْ: فَجَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَتْ لِي: هَنِّيهِ، فَهَنَّيْتُهُ، فَأَعْطَانِي سَبِيكَةَ فِضَّةٍ (وَجَاءَ آخَرُ، وَآخَرُ، أُهَنِّي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَيُعْطِينِي سَبِيكَةَ فِضَّةٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعُ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَهَنَّيْتُهُ، فَأَعْطَانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَبِتْنَا، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قُلْتُ لِلْمَرْأَةِ: قَدْ وَجَبَ حَقِّي عَلَيْكِ، فَاللَّهَ اللَّهَ خَلِّصِينِي قَالَتْ: مِمَّنْ أُخَلِّصُكِ؟ فَأَخْبَرْتُهَا خَبَرَ ابْنِي، فَقَالَتْ: عَلَيْكِ بِالرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ آخِرَ الْقَوْمِ، فَأَقَمْتُ يَوْمِي، فَلَمَّا أَمْسَيْتُ، وَجَاءَ الرَّجُلُ قُمْتُ لَهُ، وَقَبَّلْتُ يَدَهُ وَرِجْلَهُ، وَوَعَدْتُهُ أَنَّنِي أَعُودُ بَعْدَ أَنْ أُوَصِّلَ مَا مَعِي إِلَى بَنَاتِي ; فَدَعَا قَوْمًا مِنْ غِلْمَانِهِ، وَأَمَرَهُمْ بِحَمْلِي إِلَى مَكَانٍ ذَكَرَهُ، وَقَالَ: اتْرُكُوهَا فِيهِ وَارْجِعُوا ; فَسَارُوا بِي عَشَرَةَ فَرَاسِخَ، فَلَحِقَنَا ابْنِي، فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، فَجَرَحَنِي، وَمَنَعَهُ الْقَوْمُ، وَسَارُوا بِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي سَمَّاهُ لَهُمْ صَاحِبُهُمْ، وَتَرَكُونِي، وَجِئْتُ إِلَى هَهُنَا.
قَالَتْ: وَلَمَّا قَدِمَ الْأَمِيرُ بِالْقَرَامِطَةِ وَبِالْأُسَارَى رَأَيْتُ ابْنِي فِيهِمْ عَلَى جَمَلٍ عَلَيْهِ بُرْنُسٌ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: لَا خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكَ وَلَا خَلَّصَكَ.
ثُمَّ إِنَّ كُتُبَ أَهْلِ الشَّامِ، وَمِصْرَ وَصَلَتْ إِلَى الْمُكْتَفِي يَشْكُونَ مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْقَرْمَطِيِّ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، وَتَخْرِيبِ الْبِلَادِ، فَأَمَرَ الْجُنْدَ بِالتَّأَهُّبِ وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَاذَ، فِي رَمَضَانَ، وَسَارَ إِلَى الشَّامِ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلَى الْمَوْصِلِ، وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَبَا الْأَغَرِّ فِي عَشَرَةِ آلَافِ رَجُلٍ، فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْ حَلَبَ، فَكَبَسَهُمُ الْقَرْمَطِيُّ صَاحِبُ الشَّامَةِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَسَلِمَ أَبُو الْأَغَرِّ، فَدَخَلَ حَلَبَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ فِي رَمَضَانَ، وَسَارَ الْقَرْمَطِيُّ إِلَى بَابِ حَلَبَ، فَحَارَبَهُ أَبُو الْأَغَرِّ بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ وَأَهْلُ الْبَلَدِ، فَرَجَعَ عَنْهُمْ.
وَسَارَ الْمُكْتَفِي حَتَّى نَزَلَ الرَّقَّةَ، وَسَيَّرَ الْجُيُوشَ إِلَيْهِ، وَجَعَلَ أَمْرَهُمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكَاتِبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute