بُرْهَانَ ذَلِكَ. فَدَعَا أَرْدَشِيرُ بِالْحُقِّ وَفَتَحَهُ، فَوَجَدَ فِيهِ مَذَاكِيرَ الشَّيْخِ وَكِتَابًا فِيهِ: لَمَّا أَخْبَرَتْنِي ابْنَةُ الْمَلِكِ أَشْكَ الَّتِي عَلِقَتْ مِنْ مَلِكِ الْمُلُوكِ حِينَ أَمَرَ بِقَتْلِهَا لَمْ أَسْتَحِلَّ إِتْلَافَ زَرْعِ الْمَلِكِ الطَّيِّبِ فَأَوْدَعْتُهَا بَطْنَ الْأَرْضِ كَمَا أَمَرَ وَتَبَرَّأْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنْفُسِنَا لِئَلَّا يَجِدَ عَاضِهٌ إِلَى عَضَهِهَا سَبِيلًا.
فَأَمَرَهُ أَرْدَشِيرُ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ سَابُورَ مِائَةَ غُلَامٍ، وَقِيلَ: أَلْفُ غُلَامٍ مِنْ أَشْبَاهِهِ فِي الْهَيْئَةِ وَالْقَامَةِ، ثُمَّ يُدْخِلَهُمْ عَلَيْهِ جَمِيعًا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ زِيٌّ، فَفَعَلَ الشَّيْخُ. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ أَرْدَشِيرُ قَبِلَتْ نَفْسُهُ ابْنَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ، ثُمَّ أُعْطُوا صَوَالِجَةً وَكُرَةً، فَلَعِبُوا بِالْكُرَةِ وَهُوَ فِي الْإِيوَانِ، فَدَخَلَتِ الْكُرَةُ الْإِيوَانَ، فَهَابَ الْغِلْمَانُ أَنْ يَدْخُلُوهُ، وَأَقْدَمَ سَابُورُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَدَخَلَ، فَاسْتَدَلَّ بِإِقْدَامِهِ مَعَ مَا كَانَ مِنْ قَبُولِهِ لَهُ حِينَ رَآهُ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَقَالَ لَهُ أَرْدَشِيرُ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: شَاهْ بُورْ.
فَلَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ ابْنُهُ شَهَرَ أَمْرَهُ وَعَقَدَ لَهُ التَّاجَ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانَ عَاقِلًا بَلِيغًا فَاضِلًا، فَلَمَّا مَلَكَ وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأْسِهِ فَرَّقَ الْأَمْوَالَ عَلَى النَّاسِ مِنْ قُرْبٍ وَمِنْ بُعْدٍ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، فَبَانَ فَضْلُ سِيرَتِهِ وَفَاقَ جَمِيعَ الْمُلُوكِ.
وَبَنَى مَدِينَةَ نَيْسَابُورَ، وَمَدِينَةَ سَابُورَ بِفَارِسَ، وَبَنَى فَيْرُوزَ سَابُورَ، وَهِيَ الْأَنْبَارُ، وَبَنَى جُنْدَيْسَابُورْ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ حَاصَرَ الرُّومَ بِنَصِيبِينَ، وَفِيهَا جَمْعٌ مِنَ الرُّومِ مُدَّةً، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ نَاحِيَةِ خُرَاسَانَ مَا احْتَاجَ إِلَى مُشَاهَدَتِهِ، فَسَارَ إِلَيْهَا وَأَحْكَمَ أَمْرَهَا، ثُمَّ عَادَ إِلَى نَصِيبِينَ، فَزَعَمُوا أَنَّ سُورَهَا تَصَدَّعَ وَانْفَرَجَتْ مِنْهُ فُرْجَةٌ دَخَلَ مِنْهَا، وَقَتَلَ وَسَبَى وَغَنِمَ وَتَجَاوَزَهَا إِلَى بِلَادِ الشَّامِ فَافْتَتَحَ مِنْ مَدَائِنِهَا مُدُنًا كَثِيرَةً، مِنْهَا فَالُوقِيَّةُ وَقَدُوقِيَّةُ، وَحَاصَرَ مَلِكًا لِلرُّومِ بِأَنْطَاكِيَّةَ، فَأَسَرَهُ وَحَمَلَهُ وَجَمَاعَةً كَثِيرَةً مَعَهُ فَأَسْكَنَهُمْ مَدِينَةَ جُنْدَيْسَابُورْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute