للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَنْبَارُ بُنِيَتَا زَمَنَ بُخْتَ نَصَّرَ، فَخَرُبَتِ الْحِيرَةُ لِتَحَوُّلِ أَهْلِهَا إِلَى الْأَنْبَارِ، وَعَمُرَتِ الْأَنْبَارُ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً إِلَى أَنْ عَمُرَتِ الْحِيرَةُ زَمَنَ عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ، فَعَمُرَتْ خَمْسَمِائَةٍ وَبِضْعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَى أَنْ وُضِعَتِ الْكُوفَةُ وَنَزَلَهَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ.

ذِكْرُ مُلْكِ سَابُورَ بْنِ أَرْدَشِيرَ بْنِ بَابَكَ

وَلَمَّا هَلَكَ أَرْدَشِيرُ بْنُ بَابَكَ قَامَ بِالْمُلْكِ بَعْدَهُ ابْنُهُ سَابُورُ، وَكَانَ أَرْدَشِيرُ قَدْ أَسْرَفَ فِي قَتْلِ الْأَشْكَانِيَّةِ حَتَّى أَفْنَاهُمْ بِسَبَبِ أَلِيَةٍ آلَاهَا جَدُّهُ سَاسَانُ بْنُ أَرْدَشِيرَ بْنِ بَهْمَنَ، فَإِنَّهُ أَقْسَمَ أَنَّهُ إِنْ مَلَكَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَسْتَبْقِ مِنْ نَسْلِ أَشْكَ بْنِ خَزَّةَ أَحَدًا، وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى عَقِبِهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ مَلَكَ مِنْ عَقِبِهِ أَرْدَشِيرُ، فَقَتَلَهُمْ جَمِيعًا نِسَاءَهُمْ وَرِجَالَهُمْ، غَيْرَ أَنَّ جَارِيَةً وَجَدَهَا فِي دَارِ الْمَمْلَكَةِ فَأَعْجَبَتْهُ، وَكَانَتِ ابْنَةَ الْمَلِكِ الْمَقْتُولِ، فَسَأَلَهَا عَنْ نَسَبِهَا، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا خَادِمٌ لِبَعْضِ نِسَاءِ الْمَلِكِ. فَسَأَلَهَا أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا بِكْرٌ، فَاتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ وَوَاقَعَهَا، فَعَلِقَتْ مِنْهُ، فَلَمَّا أَمِنَتْ مِنْهُ بِحَبَلِهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا مِنْ وَلَدِ أَشْكَ، فَنَفَرَ مِنْهَا وَدَعَا هَرْجَدَ بْنَ أَسَامَ، وَكَانَ شَيْخًا مُسِنًّا، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، وَقَالَ لَهُ لِيَقْتُلْهَا لِيَبِرَّ قَسَمَ جَدِّهِ. فَأَخَذَهَا الشَّيْخُ لِيَقْتُلَهَا، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا حُبْلَى، فَأَتَى بِالْقَوَابِلِ فَشَهِدْنَ بِحَبَلِهَا، فَأَوْدَعَهَا سَرَبًا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ قَطَعَ مَذَاكِيرَهُ وَوَضَعَهَا فِي حُقٍّ وَخَتَمَ عَلَيْهِ، وَحَضَرَ عِنْدَ الْمَلِكِ فَقَالَ: مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: اسْتَوْدَعْتُهَا بَطْنَ الْأَرْضِ، وَدَفَعَ الْحُقَّ إِلَيْهِ، وَسَأَلَ أَنْ يَخْتِمَهُ بِخَاتَمِهِ وَيُودِعَهُ بَعْضَ خَزَائِنِهِ، فَفَعَلَ.

ثُمَّ وَضَعَتِ الْجَارِيَةُ غُلَامًا، فَكَرِهَ الشَّيْخُ أَنْ يُسَمَّى ابْنُ الْمَلِكِ دُونَهُ، وَخَافَ يُعْلِمُهُ بِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَأَخَذَ لَهُ الطَّالِعَ وَسَمَّاهُ شَابُورَ، وَمَعْنَاهُ ابْنُ الْمَلِكِ، فَيَكُونُ اسْمًا وَصِفَةً، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ.

وَبَقِيَ أَرْدَشِيرُ لَا يُولَدُ لَهُ، فَدَخَلَ الشَّيْخُ الَّذِي عِنْدَهُ الصَّبِيُّ يَوْمًا فَوَجَدَهُ مَحْزُونًا، فَقَالَ لَهُ: مَا يُحْزِنُ الْمَلِكَ؟ فَقَالَ: ضَرَبْتُ بِسَيْفِي مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ حَتَّى ظَفِرْتُ وَصَفَا لِي مُلْكُ آبَائِي ثُمَّ أَهْلِكُ وَلَيْسَ لِي عَقِبٌ فِيهِ. فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: سَرَّكَ اللَّهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ وَعَمَّرَكَ! لَكَ عِنْدِي وَلَدٌ طَيِّبٌ نَفِيسٌ، فَادْعُ لِي بِالْحُقِّ الَّذِي اسْتَوْدَعْتُكَ أُرِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>