وَخَنْدَقَ عَلَى نَفْسِهِ وَاحْتَوَى عَلَى الْمَاءِ، وَوَافَاهُ أَرْدُوَانْ وَمَلِكَ الْأَرْمَانِيِّينَ، وَكَانَا يَتَحَارَبَانِ عَلَى الْمُلْكِ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَرْدَشِيرَ وَحَارَبَاهُ، وَهُمَا مُتَسَانِدَانِ يُقَاتِلُهُ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ بَابَا مَلِكِ الْأَرْمَانِيِّينَ لَمْ يَقُمْ لَهُ أَرْدَشِيرُ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ أَرْدُوَانْ لَمْ يَقُمْ لِأَرْدَشِيرَ، فَصَالَحَ أَرْدَشِيرُ مَلِكَ الْأَرْمَانِيِّينَ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ وَيَفْرُغَ أَرْدَشِيرُ لَأَرْدُوَانْ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَتَلَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَى مَا كَانَ لَهُ، وَأَطَاعَهُ بَابَا وَسُمِّي أَرْدَشِيرُ: شَاهِنْشَاهْ.
ثُمَّ سَارَ إِلَى هَمَذَانَ فَافْتَتَحَهَا، وَإِلَى الْجَبَلِ وَأَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَّةَ وَالْمَوْصِلِ فَفَتَحَهَا عَنْوَةً، وَسَارَ إِلَى السَّوَادِ مِنَ الْمَوْصِلِ فَمَلَكَهُ، وَبَنَى عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ قُبَالَةَ طَيْسَفُونَ، وَهِيَ الْمَدِينَةُ الَّتِي فِي شَرْقِ الْمَدَائِنِ مَدِينَةٌ غَرِيبَةٌ، وَسَمَّاهَا بِهِ أَرْدَشِيرُ، وَعَادَ مِنَ السَّوَادِ إِلَى إِصْطَخْرَ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى سِجِسْتَانَ، ثُمَّ إِلَى جُرْجَانَ، ثُمَّ إِلَى نَيْسَابُورَ وَمَرْوٍ وَبَلْخٍ وَخُوَارِزْمَ، وَعَادَ إِلَى فَارِسَ، وَنَزَلَ جَوْرٌ فَجَاءَهُ رُسُلُ مَلِكِ كُوسَانَ وَمَلِكِ طُورَانَ وَمَلِكِ مُكْرَانَ بِالطَّاعَةِ.
ثُمَّ سَارَ مِنْ جَوْرٍ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، فَاضْطُرَّ مَلِكُهَا إِلَى أَنْ رَمَى بِنَفْسِهِ مِنْ حِصْنِهِ فَهَلَكَ. وَعَادَ إِلَى الْمَدَائِنِ فَتَوَّجَ ابْنَهُ سَابُورَ بِتَاجِهِ فِي حَيَاتِهِ وَبَنَى ثَمَانِيَ مُدُنٍ، مِنْهَا: مَدِينَةُ الْخَطِّ بِالْبَحْرَيْنِ، وَمَدِينَةُ بَهْرَسِيرْ مُقَابِلَ الْمَدَائِنِ. وَكَانَ اسْمُهُ بِهْ أَرْدَشِيرَ فَعُرِّبَتْ بِهْ سِيرُ، وَأَرْدَشِيرُ خُرَّةَ، هِيَ مَدِينَةُ فَيْرُوزَابَاذَ، سَمَّاهَا عَضُدُ الدَّوْلَةِ بْنُ بُوَيْهٍ كَذَلِكَ، وَبَنَى بِكَرْمَانَ مَدِينَةَ أَرْدَشِيرَ عَلَى دِجْلَةَ عِنْدَ الْبَصْرَةِ، وَالْبَصْرِيُّونَ يُسَمُّونَهَا بَهْمَنْ شِيرَ، وَفُرَاتُ مَيْسَانَ أَيْضًا، وَبَنَى رَامَهُرْمُزَ بِخُوزِسْتَانَ، وَبَنَى سُوقَ الْأَهْوَازِ، وَبِالْمَوْصِلِ بُودَرْ أَرْدَشِيرَ، وَهِيَ حَزَّةٌ.
وَلَمْ يَزَلْ مَحْمُودَ السِّيرَةِ مُظَفَّرًا مَنْصُورًا لَا تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ، وَمَدَّنَ الْمُدُنَ، وَكَوَّرَ الْكُوَرَ، وَرَتَّبَ الْمَرَاتِبَ وَعَمَّرَ الْبِلَادَ.
وَكَانَ مُلْكُهُ مِنْ قَتْلِهِ أَرْدُوَانَ إِلَى أَنْ هَلَكَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَقِيلَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَشَرَةَ أَشْهُرٍ.
وَلَمَّا اسْتَوْلَى أَرْدَشِيرُ عَلَى الْعِرَاقِ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ تَنُوخَ الْمُقَامَ فِي مَمْلَكَتِهِ، فَخَرَجَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ إِلَى الشَّامِ، وَدَانَ لَهُ أَهْلُ الْحِيرَةِ وَالْأَنْبَارِ، وَقَدْ كَانَتِ الْحِيرَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute