فَلَمَّا تَأَخَّرَ عَوْدُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ حَمْدَانَ عَلِمَ مُرَادَهُ، فَجَرَّدَ مَعَهُ جَمَاعَةً مِنْ جُمْلَتِهِمْ) إِخْوَتُهُ سُلَيْمَانُ، وَدَاوُدُ، وَسَعِيدٌ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ وَبِشَجَاعَتِهِ، وَأَمَرَ النَّجْدَةَ الَّتِي جَاءَتْهُ مِنَ الْخَلِيفَةِ أَنْ يَسِيرُوا مَعَهُ، فَتَثَبَّطُوا، فَتَرَكَهُمْ وَسَارَ يَقْفُو أَثَرَهُمْ، فَلَحِقَهُمْ وَقَدْ تَعَلَّقُوا بِالْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ بِالْقِنْدِيلِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، (وَصَعِدُوا ذُرْوَةَ) الْجَبَلِ، وَانْصَرَفَ ابْنُ حَمْدَانَ عَنْهُمْ.
وَلَحِقَ الْأَكْرَادُ بِأَذْرَبِيجَانَ، وَأَنْهَى ابْنُ حَمْدَانَ مَا كَانَ مِنْ حَالِهِمْ إِلَى الْخَلِيفَةِ وَالْوَزِيرِ فَأَنْجَدُوهُ بِجَمَاعَةٍ صَالِحَةٍ وَعَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ فَجَمَعَ رِجَالَهُ وَسَارَ إِلَى جَبَلِ السَّلَقِ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ بِلَالٍ وَمَعَهُ الْأَكْرَادُ، فَدَخَلَهُ ابْنُ حَمْدَانَ، وَالْجَوَاسِيسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، خَوْفًا مِنْ كَمِينٍ يَكُونُ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ أَصْحَابِهِ، وَهُمْ يَتْبَعُونَهُ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَجَاوَزُوا الْجَبَلَ، وَقَارَبُوا الْأَكْرَادَ، وَسَقَطَ عَلَيْهِمُ الثَّلْجُ، وَاشْتَدَّ الْبَرْدُ، وَقَلَّتِ الْمِيرَةُ وَالْعَلَفُ عِنْدَهُمْ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَبَلَغَ الْحِمْلُ [مِنَ] التِّبْنِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، ثُمَّ عُدِمَ عِنْدَهُمْ وَهُوَ صَابِرٌ.
فَلَمَّا رَأَى الْأَكْرَادُ صَبْرَهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِي دَفْعِهِمْ لَجَأَ مُحَمَّدُ بْنُ بِلَالٍ وَأَوْلَادُهُ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ، وَاسْتَوْلَى ابْنُ حَمْدَانَ عَلَى بُيُوتِهِمْ، وَسَوَادِهِمْ، وَأَهْلِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَطَلَبُوا الْأَمَانَ فَأَمَّنَهُمْ، وَأَبْقَى عَلَيْهِمْ، وَرَدَّهُمْ إِلَى بَلَدِ حَزَّةَ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ، وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ صَاحِبَهُ سِيمَا الْحَمْدَانِيَّ، وَأَمِنَتِ الْبِلَادُ مَعَهُ، وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ فِي أَهْلِهَا.
ثُمَّ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ بِلَالٍ طَلَبَ الْأَمَانَ مِنِ ابْنِ حَمْدَانَ فَأَمَّنَهُ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ، وَأَقَامَ بِالْمَوْصِلِ، وَتَتَابَعَ الْأَكْرَادُ الْحَمِيدِيَّةُ، وَأَهْلُ جَبَلِ دَاسِنَ إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ، فَأَمِنَتِ الْبِلَادُ وَاسْتَقَامَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute