ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى قَارَبُوا الْقَادِسِيَّةَ فَنَزَلُوا بِالصَّوَّانِ، فَلَقِيَهُمْ زَكْرَوَيْهِ.
وَأَمَّا الْقَرَامِطَةُ فَإِنَّهُمْ أَنْفَذُوا وَاسْتَخْرَجُوا زَكْرَوَيْهِ مِنْ جُبٍّ فِي الْأَرْضِ كَانَ مُنْقَطِعًا فِيهِ سِنِينَ كَثِيرَةً، بِقَرْيَةِ الدَّرِيَّةِ، وَكَانَ عَلَى الْجُبِّ بَابٌ حَدِيدٌ مُحْكَمُ الْعَمَلِ، وَكَانَ زَكْرَوَيْهِ إِذَا خَافَ الطَّلَبَ جَعَلَ تَنُّورًا هُنَاكَ عَلَى بَابِ الْجُبِّ، وَقَامَتِ امْرَأَةٌ تَسْجُرُهُ، فَلَا يُفْطَنُ إِلَيْهِ، وَكَانَ رُبَّمَا أُخْفِيَ فِي بَيْتٍ خَلْفَ بَابِ الدَّارِ الَّتِي كَانَ بِهَا سَاكِنًا، فَإِذَا انْفَتَحَ بَابُ الدَّارِ انْطَبَقَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَيَدْخُلُ الدَّاخِلُ الدَّارَ فَلَا يَرَى شَيْئًا، فَلَمَّا اسْتَخْرَجُوهُ حَمَلُوهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَسَمَّوْهُ وَلِيَّ اللَّهِ، وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، وَحَضَرَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ دُعَاتِهِ وَخَاصَّتِهِ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ أَحْمَدَ (مِنْ) أَعْظَمِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ ذِمَّةً وَمِنَّةً، وَأَنَّهُ رَدَّهُمْ إِلَى الدِّينِ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ عَنْهُ، وَأَنَّهُمْ إِنِ امْتَثَلُوا أَوَامِرَهُ أَنْجَزَ مَوْعِدَهُمْ، وَبَلَغُوا آمَالَهُمْ، وَرَمَّزَ لَهُمْ رُمُوزًا ذَكَرَ فِيهَا آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ نَقَلَهَا عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي أُنْزِلَتْ فِيهِ، فَاعْتَرَفَ لَهُ مَنْ رَسَخَ حُبُّ الْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ رَئِيسُهُمْ وَكَهْفُهُمْ، وَأَيْقَنُوا بِالنَّصْرِ وَبُلُوغِ الْأَمَلِ.
وَسَارَ بِهِمْ وَهُوَ مَحْجُوبٌ يَدْعُونَهُ السَّيِّدَ وَلَا يُبْرِزُونَهُ، وَالْقَاسِمُ يَتَوَلَّى الْأُمُورَ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أَهْلَ السَّوَادِ قَاطِبَةً خَارِجُونَ إِلَيْهِ، فَأَقَامَ بِسَقْيِ الْفُرَاتِ عِدَّةَ أَيَّامٍ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ مِنْهُمْ إِلَّا خَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ، ثُمَّ وَافَتْهُ الْجُنُودُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ عِنْدِ الْخَلِيفَةِ، فَلَقِيَهُمْ زَكْرَوَيْهِ بِالصَّوَّانِ، وَقَاتَلَهُمْ وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ أَوَّلَ النَّهَارِ عَلَى الْقَرَامِطَةِ وَكَانَ زَكْرَوَيْهِ قَدْ كَمَّنَ لَهُمْ كَمِينًا مِنْ خَلْفِهِمْ، فَلَمْ يَشْعُرْ أَصْحَابُ الْخَلِيفَةِ إِلَّا وَالسَّيْفُ فِيهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ، فَانْهَزَمُوا أَقْبَحَ هَزِيمَةٍ، وَوَضَعَ الْقَرَامِطَةُ السَّيْفَ فِيهِمْ، فَقَتَلُوهُمْ كَيْفَ شَاءُوا، وَغَنِمُوا سَوَادَهُمْ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَصْحَابِ الْخَلِيفَةِ إِلَّا مَنْ دَابَّتُهُ قَوِيَّةٌ، أَوْ مَنْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ، فَوَضَعَ نَفْسَهُ بَيْنَ الْقَتْلَى، فَتَحَامَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَأُخِذَ لِلْخَلِيفَةِ فِي هَذَا الْعَسْكَرِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ جَمَّازَةٍ عَلَيْهَا الْمَالُ وَالسِّلَاحُ، وَخَمْسُمِائَةِ بَغْلٍ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْخَلِيفَةِ، سِوَى الْغِلْمَانِ، أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ رَجُلٍ، وَقَوِيَ الْقَرَامِطَةُ بِمَا غَنِمُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute