وَاقْتَتَلَتِ الْقَرَامِطَةُ بَعْدَ نَصْرٍ حَتَّى صَارَتْ بَيْنَهُمُ الدِّمَاءُ، وَسَارَتْ فِرْقَةٌ كَرَّهَتْ أُمُورَهُمْ إِلَى بَنِي أَسَدٍ بِنَوَاحِي عَيْنِ التَّمْرِ، وَاعْتَذَرُوا إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَقَبِلَ عُذْرَهُمْ، وَبَقِيَ عَلَى الْمَاءَيْنِ بَقِيَّتُهُمْ مِمَّنْ لَهُ بَصِيرَةٌ فِي دِينِهِ، فَكَتَبَ الْخَلِيفَةُ إِلَى ابْنِ حَمْدَانَ يَأْمُرُهُ بِمُعَاوَدَتِهِمْ، وَاجْتِثَاثِ أَصْلِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ زَكْرَوَيْهِ بْنُ مَهْرَوَيْهِ دَاعِيَةً لَهُ يُسَمَّى الْقَاسِمَ بْنَ أَحْمَدَ، وَيُعْرَفُ بِأَبِي مُحَمَّدٍ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ فِعْلَ الذِّئْبِ قَدْ نَفَّرَهُ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ، وَأَنَّ وَقْتَ ظُهُورِهِمْ قَدْ حَضَرَ، وَقَدْ بَايَعَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَرْبَعُونَ أَلْفًا، وَأَنَّ يَوْمَ مَوْعِدِهِمُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي شَأْنِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدُوِّهِ فِرْعَوْنَ إِذْ {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: ٥٩] ، وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَفُوا أَمْرَهُمْ، وَأَنْ يَسِيرُوا حَتَّى يُصَبِّحُوا الْكُوفَةَ يَوْمَ النَّحْرِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَإِنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْهَا، وَأَنَّهُ يَظْهَرُ لَهُمْ، وَيُنْجِزُ لَهُمْ وَعْدَهُ الَّذِي يَعِدُهُمْ إِيَّاهُ، وَأَنْ يَحْمِلُوا إِلَيْهِ الْقَاسِمَ بْنَ أَحْمَدَ.
فَامْتَثَلُوا رَأْيَهُ، وَوَافَوْا بَابَ الْكُوفَةِ وَقَدِ انْصَرَفَ النَّاسُ عَنْ مُصَلَّاهُمْ، وَعَامِلُهُمْ إِسْحَاقُ بْنُ عِمْرَانَ، وَوَصَلُوهَا فِي ثَمَانِمِائَةِ فَارِسٍ عَلَيْهِمُ الدُّرُوعُ، وَالْجَوَاشِنُ، وَالْآلَاتُ الْحَسَنَةُ، وَقَدْ ضَرَبُوا عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ أَحْمَدَ قُبَّةً، وَقَالُوا هَذَا أَثَرُ رَسُولِ اللَّهِ، وَنَادَوْا: يَا لَثَارَاتِ الْحُسَيْنِ، يَعْنُونَ الْحُسَيْنَ بْنَ زَكْرَوَيْهِ الْمَصْلُوبَ بِبَغْدَاذَ، وَشِعَارُهُمْ: يَا أَحْمَدُ، يَا مُحَمَّدُ، يَعْنُونَ ابْنِيْ زَكْرَوَيْهِ الْمَقْتُولَيْنِ، فَأَظْهَرُوا الْأَعْلَامَ الْبِيضَ، وَأَرَادُوا اسْتِمَالَةَ رَعَاعَ النَّاسِ بِالْكُوفَةِ بِذَلِكَ، فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ، فَأَوْقَعَ الْقَرَامِطَةُ بِمَنْ لَحِقُوهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَتَلُوا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ نَفْسًا.
وَبَادَرَ النَّاسُ الْكُوفَةَ، وَأَخَذُوا السِّلَاحَ، وَنَهَضَ بِهِمْ إِسْحَاقُ، وَدَخَلَ مَدِينَةَ الْكُوفَةِ مِنَ الْقَرَامِطَةِ مِائَةُ فَارِسٍ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ نَفْسًا، وَأُخْرِجُوا عَنْهَا، وَظَهَرَ إِسْحَاقُ، وَحَارَبَهُمْ إِلَى الْعَصْرِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا نَحْوَ الْقَادِسِيَّةِ، وَكَانَ فِيمَنْ يُقَاتِلُهُمْ مَعَ إِسْحَاقَ جَمَاعَةٌ مِنَ الطَّالِبِيَّةِ.
وَكَتَبَ إِسْحَاقُ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَسْتَمِدُّهُ، فَأَمَدَّهُ بِجَمَاعَةٍ مِنْ قُوَّادِهِ، مِنْهُمْ: وَصِيفُ بْنُ صُوَارِتِكِينَ التُّرْكِيُّ، وَالْفَضْلُ بْنُ مُوسَى بْنِ بُغَا، وَبِشْرٌ الْخَادِمُ الْأَفْشِينِيُّ، وَرَائِقٌ الْخَزَرِيُّ، مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْغِلْمَانِ الْحُجَرِيَّةِ، فَسَارُوا مُنْتَصَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute