وَغَوَّرَ الْآبَارَ، وَالْمَصَانِعَ، وَالْمِيَاهَ إِلَى فَيْدَ، فَاحْتَمَى أَهْلُ فَيْدَ وَمَنْ بِهَا مِنَ الْحُجَّاجِ بِالْحِصْنَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفَيْدَ وَحَصَرَهُمْ فِيهِمَا الْقَرَامِطَةُ، وَأَرْسَلَ زَكْرَوَيْهِ إِلَى أَهْلِ فَيْدَ يَأْمُرُهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ أَوْ بِتَسْلِيمِ الْحِصْنَيْنِ إِلَيْهِ، وَبَذَلَ لَهُمُ الْأَمَانَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَتَهَدَّدَهُمْ بِالنَّهْبِ وَالْقَتْلِ، فَازْدَادَ امْتِنَاعُهُمْ، وَأَقَامَ عَلَيْهِمْ عِدَّةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ سَارَ إِلَى النِّبَاجِ ثُمَّ إِلَى حُفَيْرِ أَبِي مُوسَى.
ذِكْرُ قَتْلِ زَكْرَوَيْهِ لَعَنَهُ اللَّهُ
لَمَّا فَعَلَ زَكْرَوَيْهِ بِالْحُجَّاجِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْخَلِيفَةِ خَاصَّةً، وَعَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، فَجَهَّزَ الْمُكْتَفِي الْجُيُوشَ، فَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَيَّرَ وَصِيفَ بْنَ صُوَارِتِكِينَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْقُوَّادِ وَالْعَسَاكِرِ إِلَى الْقَرَامِطَةِ، فَسَارَ عَلَى طَرِيقِ حِفَّانَ، فَلَقِيَهُمْ زَكْرَوَيْهِ، وَمَنْ مَعَهُ مَنِ الْقَرَامِطَةِ، ثَامِنَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَاقْتَتَلُوا يَوْمَهُمْ، (ثُمَّ حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، وَبَاتُوا يَتَحَارَسُونَ، ثُمَّ بَكَّرُوا لِلْقِتَالِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا) ، فَقُتِلَ مِنَ الْقَرَامِطَةِ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ.
وَوَصَلَ عَسْكَرُ الْخَلِيفَةِ إِلَى عَدُوِّ اللَّهِ زَكْرَوَيْهِ، فَضَرَبَهُ بَعْضُ الْجُنْدِ وَهُوَ مُوَلٍّ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ، فَبَلَغَتِ الضَّرْبَةُ دِمَاغَهُ، وَأَخَذَهُ أَسِيرًا، وَأُخِذَ خَلِيفَتُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ خَوَاصِّهِ وَأَقْرِبَائِهِ، وَفِيهِمُ ابْنُهُ، وَكَاتِبُهُ، وَزَوْجَتُهُ، وَاحْتَوَى الْجُنْدُ عَلَى مَا فِي الْعَسْكَرِ.
وَعَاشَ زَكْرَوَيْهِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَمَاتَ، فَسُيِّرَتْ جِيفَتُهُ وَالْأَسْرَى إِلَى بَغْدَاذَ، وَانْهَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الشَّامِ، فَأَوْقَعَ بِهِمُ الْحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ، فَقَتَلُوهُمْ جَمِيعًا، وَأَخَذُوا جَمَاعَةً مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَحُمِلَ رَأْسُ زَكْرَوَيْهِ إِلَى خُرَاسَانَ، لِئَلَّا يَنْقَطِعَ الْحُجَّاجُ، وَأَخَذَ الْأَعْرَابُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ زَكْرَوَيْهِ يُعْرَفُ أَحَدَهُمَا بِالْحَدَّادِ، وَالْآخَرُ بِالْمُنْتَقِمِ، وَهُوَ أَخُو امْرَأَةِ زَكْرَوَيْهِ، كَانَا قَدْ سَارَا إِلَيْهِمْ يَدْعُوَانِهِمْ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُمْ، فَلَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute