هَذَا، وَفَرَسَ هَذَا، وَمَنْ قَدْ لَقِيَ النَّاسَ وَلَقُوهُ، وَعَامَلَهُمْ وَعَامَلُوهُ، وَيَتَخَيَّلُ، وَيَحْسِبُ حِسَابَ نِعَمِ النَّاسِ، وَعَرَفَ وُجُوهَ دَخْلِهِمْ وَخَرْجِهِمْ.
فَقَالَ الْوَزِيرُ: صَدَقْتَ وَنَصَحْتَ، فَبِمَنْ تُشِيرُ؟ قَالَ: أَصْلَحُ الْمَوْجُودِ جَعْفَرُ بْنُ الْمُعْتَضِدِ، قَالَ: وَيْحَكَ، هُوَ صَبِيٌّ، قَالَ ابْنُ الْفُرَاتِ: إِلَّا أَنَّهُ ابْنُ الْمُعْتَضِدِ، وَلَمْ نَأْتِ بِرَجُلٍ كَامِلٍ يُبَاشِرُ الْأُمُورَ بِنَفْسِهِ، غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَيْنَا.
ثُمَّ إِنَّ الْوَزِيرَ اسْتَشَارَ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى، فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا، وَقَالَ: لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ، وَيَنْظُرَ مَنْ يَصْلُحُ لِلدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَمَالَتْ نَفْسُ الْوَزِيرِ إِلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِهِ ابْنُ الْفُرَاتِ، وَانْضَافَ إِلَى ذَلِكَ وَصِيَّةُ الْمُكْتَفِي، فَإِنَّهُ أَوْصَى، لَمَّا اشْتَدَّ مَرَضُهُ، بِتَقْلِيدِ أَخِيهِ جَعْفَرٍ الْخِلَافَةَ،
فَلَمَّا مَاتَ الْمُكْتَفِي نَصَّبَ الْوَزِيرُ جَعْفَرًا لِلْخِلَافَةِ، وَعَيَّنَهُ لَهَا، وَأَرْسَلَ صَافِيًا الْحُرَمِيَّ إِلَيْهِ لِيُحَذِّرَهُ مِنْ دُورِ آلِ طَاهِرٍ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَكَانَ يَسْكُنُهَا، فَلَمَّا حَطَّهُ فِي الْحَرَّاقَةِ وَحَدَرَهُ، وَصَارَتِ الْحَرَّاقَةُ مُقَابِلَ دَارِ الْوَزِيرِ، صَاحَ غِلْمَانُ الْوَزِيرِ بِالْمَلَّاحِ لِيَدْخُلَ إِلَى دَارِ الْوَزِيرِ، فَظَنَّ صَافِي الْحُرَمِيُّ أَنَّ الْوَزِيرَ يُرِيدُ الْقَبْضَ عَلَى جَعْفَرٍ، وَيُنَصِّبُ فِي الْخِلَافَةِ غَيْرَهُ، فَمَنَعَ الْمَلَّاحَ مِنْ ذَلِكَ، وَسَارَ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، وَأَخَذَ لَهُ صَافِي الْبَيْعَةَ عَلَى الْخَدَمِ، وَحَاشِيَةِ الدَّارِ، وَلَقَّبَ نَفْسَهُ الْمُقْتَدِرَ بِاللَّهِ، وَلَحِقَ الْوَزِيرُ بِهِ وَجَمَاعَةُ الْكُتَّابِ فَبَايَعُوهُ، ثُمَّ جَهَّزُوا الْمُكْتَفِيَ وَدَفَنُوهُ بِدَارِ مُحَمَّدِ بْنِ طَاهِرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute