فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَوِيَ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ، جَمَعَ رُؤَسَاءَ أَصْحَابِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ مَا اخْتَلَّ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ الذَّبَّ عَنْهُمْ وَيَشْخَصَ إِلَى بَعْضِ الْأَعْدَاءِ، فَدَعَا لَهُ النَّاسُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعِهِ وَيُوَجِّهَ الْقُوَّادَ وَالْجُنُودَ لِيَكْفُوهُ مَا يُرِيدُ، فَأَبَى وَاخْتَارَ مِنْ عَسْكَرِهِ أَلْفَ رَجُلٍ، فَسَأَلُوهُ الِازْدِيَادَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَسَارَ بِهِمْ وَنَهَاهُمْ عَلَى الْإِبْقَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ، وَقَصَدَ بِلَادَ فَارِسَ فَأَوْقَعَ بِالْعَرَبِ وَهُمْ غَارُّونَ فَقَتَلَ وَأَسَرَ وَأَكْثَرَ. ثُمَّ قَطَعَ الْبَحْرَ إِلَى الْخَطِّ فَقَتَلَ مَنْ بِالْبَحْرَيْنِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى غَنِيمَةٍ، وَسَارَ إِلَى هَجَرَ وَبِهَا نَاسٌ مِنْ تَمِيمٍ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَعَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ حَتَّى سَالَتْ دِمَاؤُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ، وَأَبَادَ عَبْدَ الْقَيْسِ، وَقَصَدَ الْيَمَامَةَ وَأَكْثَرَ فِي أَهْلِهَا الْقَتْلَ، وَغَوَّرَ مِيَاهَ الْعَرَبِ، وَقَصَدَ بَكْرًا وَتَغْلِبَ فِيمَا بَيْنَ مَنَاظِرِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَقَتَلَ وَسَبَى، وَغَوَّرَ مِيَاهَهُمْ، وَسَارَ إِلَى قُرْبِ الْمَدِينَةِ فَفَعَلَ كَذَلِكَ، وَكَانَ يَنْزِعُ أَكْتَافَ رُؤَسَائِهِمْ وَيَقْتُلُهُمْ إِلَى أَنْ هَلَكَ فَسَمُّوهُ سَابُورَ ذَا الْأَكْتَافِ لِهَذَا.
وَانْتَقَلَتْ إِيَادٌ حِينَئِذٍ إِلَى الْجَزِيرَةِ، وَصَارَتْ تُغِيرُ عَلَى السَّوَادِ، فَجَهَّزَ سَابُورُ إِلَيْهِمُ الْجُيُوشَ، وَكَانَ لَقِيطٌ الْإِيَادِيُّ مَعَهُمْ، فَكَتَبَ إِلَى إِيَادٍ:
سَلَامٌ فِي الصَّحِيفَةِ مِنْ لَقِيطٍ ... إِلَى مَنْ بِالْجَزِيرَةِ مِنْ إِيَادِ.
بِأَنَّ اللَّيْثَ كِسْرَى قَدْ أَتَاكُمْ
فَلَا يَشْغَلْكُمْ سُوقُ النُّقَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute