ذِكْرُ إِرْسَالِ الْمَهْدِيِّ الْعَلَوِيِّ الْعَسَاكِرَ إِلَى مِصْرَ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ جَهَّزَ الْمَهْدِيُّ صَاحِبُ إِفْرِيقِيَّةَ جَيْشًا كَثِيفًا مَعَ ابْنِهِ أَبِي الْقَاسِمِ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى مِصْرَ، وَهِيَ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ، فَوَصَلَ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَخَرَجَ عَامِلُ الْمُقْتَدِرِ عَنْهَا، وَدَخَلَهَا الْقَائِمُ، وَرَحَلَ إِلَى مِصْرَ، فَدَخَلَ الْجِيزَةَ، وَمَلَكَ الْأُشْمُونِينَ وَكَثِيرًا مِنَ الصَّعِيدِ، وَكَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ.
وَوَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ إِلَى بَغْدَاذَ، فَبَعَثَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ مُؤْنِسًا الْخَادِمَ فِي شَعْبَانَ، وَجَدَّ فِي السَّيْرِ فَوَصَلَ إِلَى مِصْرَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَائِمِ عِدَّةُ وَقَعَاتٍ، وَوَصَلَ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ ثَمَانُونَ مَرْكَبًا نَجْدَةً لِلْقَائِمِ، فَأَرْسَتْ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَعَلَيْهَا سُلَيْمَانُ الْخَادِمُ، وَيَعْقُوبُ الْكُتَامِيُّ، وَكَانَا شُجَاعَيْنِ، فَأَمَرَ الْمُقْتَدِرُ بِاللَّهِ أَنْ يُسَيِّرَ مَرَاكِبَ طَرَسُوسَ إِلَيْهِمْ، فَسَارَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مَرْكَبًا، وَفِيهَا النِّفْطُ وَالْعُدَدُ، وَمُقَدَّمُهَا أَبُو الْيُمْنِ، فَالْتَقَتِ الْمَرَاكِبُ بِالْمَرَاكِبِ، وَاقْتَتَلُوا عَلَى رَشِيدٍ، فَظَفِرَ أَصْحَابُ مَرَاكِبِ الْمُقْتَدِرِ، وَأَحْرَقُوا كَثِيرًا مِنْ مَرَاكِبِ إِفْرِيقِيَّةَ، وَهَلَكَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا، وَأُسِرَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ، وَفِي الْأَسْرَى سُلَيْمَانُ الْخَادِمُ، وَيَعْقُوبُ، فَقُتِلَ مِنَ الْأَسْرَى كَثِيرٌ، (وَأُطْلِقَ كَثِيرٌ) ، وَمَاتَ سُلَيْمَانُ فِي الْحَبْسِ بِمِصْرَ، وَحُمِلَ يَعْقُوبُ إِلَى بَغْدَاذَ، ثُمَّ هَرَبَ مِنْهَا وَعَادَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ.
وَأَمَّا عَسْكَرُ الْقَائِمِ فَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُؤْنِسٍ وَقَعَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانَ الظَّفَرُ لِمُؤْنِسٍ فَلُقِّبَ حِينَئِذٍ بِالْمُظَفَّرِ.
وَوَقَعَ الْوَبَاءُ فِي عَسْكَرِ الْقَائِمِ، وَالْغَلَاءُ، فَمَاتَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَالْخَيْلِ، فَعَادَ مَنْ سَلِمَ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَسَارَ عَسْكَرُ مِصْرَ فِي أَثَرِهِمْ، حَتَّى أُبْعِدُوا، فَوَصَلَ الْقَائِمُ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute