وَكَانَ إِذَا شَكَا إِلَيْهِ بَعْضُ نُوَّابِ حَامِدٍ يَكْتُبُ عَلَى الْقِصَّةِ: إِنَّمَا عُقِدَ الضَّمَانُ عَلَى النَّائِبِ الْوَزِيرِيِّ، عَنِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ السُّلْطَانِيَّةِ، فَلْيَتَقَدَّمْ إِلَى عُمَّالِهِ بِكَفِّ الظُّلْمِ عَنِ الرَّعِيَّةِ، فَاسْتَأْذَنَ حَامِدٌ، وَسَارَ إِلَى وَاسِطَ لِيَنْظُرَ فِي ضَمَانِهِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَجَرَى بَيْنَ مُفْلِحٍ الْأَسْوَدِ وَبَيْنَ حَامِدٍ كَلَامٌ، قَالَ لَهُ حَامِدٌ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَشْتِرِيَ مِائَةَ خَادِمٍ أَسْوَدَ، وَأُسَمِّيهِمْ مُفْلِحًا، وَأَهَبُهُمْ لِغِلْمَانِي، فَحَقَدَهُ مُفْلِحٌ، وَكَانَ خِصِّيصًا بِالْمُقْتَدِرِ، فَسَعَى مَعَهُ الْمُحَسِّنُ بْنُ الْفُرَاتِ لِوَالِدِهِ بِالْوِزَارَةِ، وَضَمِنَ أَمْوَالًا جَلِيلَةً وَكَتَبَ عَلَى يَدِهِ رُقْعَةً يَقُولُ: إِنْ يُسَلَّمِ الْوَزِيرُ، وَعَلِيُّ بْنَ عِيسَى، وَابْنُ الْحَوَارِيِّ، وَشَفِيعٌ اللُّؤْلُؤِيُّ، وَنَصْرٌ الْحَاجِبُ، وَأُمُّ مُوسَى الْقَهْرَمَانَةُ، وَالْمَادِرَانِيُّونَ يُسْتَخْرَجْ مِنْهُمْ سَبْعَةُ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ.
وَكَانَ الْمُحَسِّنُ مُطْلَقًا، وَكَانَ يُوَاصِلُ السِّعَايَةَ بِهَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْفُرَاتِ لِلْمُقْتَدِرِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ ابْنُ الْحَوَارِيِّ كُلَّ سَنَةٍ مِنَ الْمَالِ، فَاسْتَكْثَرَهُ فَقُبِضَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ عِيسَى فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَسُلِّمَ إِلَى زَيْدَانَ الْقَهْرَمَانَةِ، فَحَبَسَتْهُ فِي الْحُجْرَةِ الَّتِي كَانَ ابْنُ الْفُرَاتِ مَحْبُوسًا فِيهَا، وَأُطْلِقَ ابْنُ الْفُرَاتِ، وَخُلِعَ عَلَيْهِ، وَتَوَلَّى الْوِزَارَةَ، وَخُلِعَ عَلَى ابْنِهِ الْمُحَسِّنِ، وَهَذِهِ الْوِزَارَةُ الثَّالِثَةُ لِابْنِ الْفُرَاتِ.
وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ قَدْ سَعَى بِابْنِ الْفُرَاتِ، وَكَانَ يَتَقَلَّدُ بَعْضَ الْأَعْمَالِ أَيَّامَ حَامِدٍ، فَحَضَرَ عِنْدَ ابْنِ الْفُرَاتِ، وَكَانَ ابْنُ الْفُرَاتِ هُوَ الَّذِي قَدَّمَ ابْنَ مُقْلَةَ وَرَبَّاهُ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَلَمَّا قِيلَ عَنْهُ إِنَّهُ سَعَى بِهِ لَمْ يُصَدِّقْ ذَلِكَ، حَتَّى تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ. ثُمَّ إِنَّ حَامِدًا صَعِدَ مِنْ وَاسِطَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ ابْنُ الْفُرَاتِ مَنْ يَقْبِضُ عَلَيْهِ (فِي الطَّرِيقِ) وَعَلَى أَصْحَابِهِ، فَقُبِضَ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ، وَسَمِعَ حَامِدٌ فَهَرَبَ وَاخْتَفَى بِبَغْدَاذَ، ثُمَّ إِنَّ حَامِدًا لَبِسَ زِيَّ رَاهِبٍ، وَخَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي اخْتَفَى فِيهِ، وَمَشَى إِلَى نَصْرٍ الْحَاجِبِ، فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَسَأَلَهُ إِيصَالَ حَالِهِ إِلَى الْخَلِيفَةِ، فَاسْتَدْعَى نَصْرٌ مُفْلِحًا الْخَادِمَ، (وَقَالَ: هَذَا يَسْتَأْذِنُ إِلَى الْخَلِيفَةِ، إِذَا كَانَ عِنْدَ حَرَمِهِ) .
(فَلَمَّا حَضَرَ مُفْلِحٌ) فَرَأَى حَامِدًا قَالَ: أَهْلًا بِمَوْلَانَا الْوَزِيرِ، أَيْنَ مَمَالِيكُكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute