لَهَا: مَعَنَا صَبِيَّةٌ بِكْرٌ نُرِيدُ بَيْتًا نَكُونُ فِيهِ فَأَمَرَتْهُمْ بِالدُّخُولِ إِلَى دَارِهَا، وَسَلَّمَتْ إِلَيْهِمْ قُبَّةً فِي الدَّارِ، فَأَدْخَلْنَ الْمُحَسِّنَ إِلَيْهَا، وَجَلَسَتِ النِّسَاءُ اللَّاتِي مَعَهُ فِي صُفَّةٍ بَيْنَ يَدَيْ بَابِ الْقُبَّةِ، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَرَأَتِ الْمُحَسِّنَ فِي الْقُبَّةِ، فَعَادَتْ إِلَى مَوْلَاتِهَا، فَأَخْبَرَتْهَا أَنَّ فِي الدَّارِ رَجُلًا، فَجَاءَتْ صَاحِبَتُهَا فَلَمَّا رَأَتْهُ عَرَفَتْهُ.
وَكَانَ الْمُحَسِّنُ قَدْ أَخَذَ زَوْجَهَا لِيُصَادِرَهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسَ فِي دَارِهِ يُجْلَدُونَ، وَيُشَقَّصُونَ، وَيُعَذَّبُونَ مَاتَ فَجْأَةً، فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الْمُحَسِّنَ وَعَرَفَتْهُ رَكِبَتْ فِي سَفِينَةٍ، وَقَصَدَتْ دَارَ الْخِلَافَةِ، وَصَاحَتْ: مَعِي نَصِيحَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ! فَأَحْضَرَهَا نَصْرٌ الْحَاجِبُ، فَأَخْبَرَتْهُ بِخَبَرِ الْمُحَسِّنِ، فَانْتَهَى ذَلِكَ إِلَى الْمُقْتَدِرِ، فَأَمَرَ نَازُوكَ، صَاحِبَ الشُّرْطَةِ، أَنْ يَسِيرَ مَعَهَا وَيُحْضِرَهُ، فَأَخَذَهَا مَعَهُ (إِلَى مَنْزِلِهَا) ، وَدَخَلَ الْمَنْزِلَ، وَأَخَذَ الْمُحَسِّنَ وَعَادَ بِهِ إِلَى الْمُقْتَدِرِ، فَرَدَّهُ إِلَى دَارِ الْوَزِيرِ، فَعُذِّبَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ لِيُجِيبَ إِلَى مُصَادَرَةٍ يَبْذُلُهَا، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَى دِينَارٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ: لَا أَجْمَعُ لَكُمْ بَيْنَ نَفْسِي وَمَالِي، وَاشْتَدَّ الْعَذَابُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ امْتَنَعَ عَنِ الطَّعَامِ.
فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ الْمُقْتَدِرُ أَمَرَ بِحَمْلِهِ مَعَ أَبِيهِ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، فَقَالَ الْوَزِيرُ أَبُو الْقَاسِمِ لِمُؤْنِسٍ، وَهَارُونَ بْنِ غَرِيبِ الْخَالِ، وَنَصْرٍ الْحَاجِبِ: إِنْ يُنْقَلِ ابْنُ الْفُرَاتِ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ بَذَلَ أَمْوَالَهُ، وَأَطْمَعَ الْمُقْتَدِرَ فِي أَمْوَالِنَا، وَضَمِنَنَا مِنْهُ، وَتَسَلَّمَنَا فَأَهْلَكَنَا، فَوَضَعُوا الْقُوَّادَ وَالْجُنْدَ، حَتَّى قَالُوا لِلْخَلِيفَةِ: إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَتْلِ ابْنِ الْفُرَاتِ وَوَلَدِهِ، فَإِنَّنَا لَا نَأْمَنُ عَلَى أَنْفُسِنَا مَا دَامَا فِي الْحَيَاةِ.
وَتَرَدَّدَتِ الرَّسَائِلُ فِي ذَلِكَ، وَأَشَارَ مُؤْنِسٌ، وَهَارُونُ بْنُ غَرِيبٍ، وَنَصْرٌ الْحَاجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute