بِمُوَافَقَتِهِمْ وَإِجَابَتِهِمْ إِلَى مَا طَلَبُوا، فَأَمَرَ نَازُوكَ بِقَتْلِهِمَا، فَذَبَحَهُمَا كَمَا يُذْبَحُ الْغَنَمُ.
وَكَانَ ابْنُ الْفُرَاتِ قَدْ أَصْبَحَ يَوْمَ الْأَحَدِ صَائِمًا، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَلَمْ يَأْكُلْهُ، فَأُتِيَ أَيْضًا بِطَعَامٍ لِيُفْطِرَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يُفْطِرْ، وَقَالَ: رَأَيْتُ أَخِي الْعَبَّاسَ فِي النَّوْمِ يَقُولُ لِي: أَنْتَ وَوَلَدُكَ عِنْدَنَا يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّنَا نُقْتَلُ، فَقُتِلَ ابْنُهُ الْمُحَسِّنُ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَحُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى أَبِيهِ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ شَدِيدًا، ثُمَّ عُرِضَ أَبُوهُ عَلَى السَّيْفِ فَقَالَ: لَيْسَ إِلَّا السَّيْفُ، رَاجِعُوا فِي أَمْرِي، فَإِنَّ عِنْدِي أَمْوَالًا جَمَّةً، وَجَوَاهِرَ كَثِيرَةً، فَقِيلَ لَهُ: جَلَّ الْأَمْرُ عَنْ ذَلِكَ! وَقُتِلَ وَكَانَ عُمْرُهُ إِحْدَى وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَعُمْرُ وَلَدِهِ الْمُحَسِّنِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، فَلَمَّا قُتِلَا حُمِلَ رَأْسَاهُمَا إِلَى الْمُقْتَدِرِ بِاللَّهِ، فَأَمَرَ بِتَغْرِيقِهِمَا.
وَقَدْ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفُرَاتِ يَقُولُ: إِنَّ الْمُقْتَدِرَ بِاللَّهِ يَقْتُلُنِي، فَصَحَّ قَوْلُهُ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ عَادَ مِنْ عِنْدِهِ يَوْمًا، وَهُوَ مُفَكِّرٌ كَثِيرُ الْهَمِّ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا خَاطَبْتُهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا قَالَ لِي نَعَمْ، فَقُلْتُ لَهُ الشَّيْءَ وَضِدَّهُ، فَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَقُولُ نَعَمْ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا لِحُسْنِ ظَنِّهِ بِكَ، وَثِقَتِهِ بِمَا تَقُولُ، وَاعْتِمَادِهِ عَلَى شَفَقَتِكَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّهُ أُذُنٌ لِكُلِّ قَائِلٍ، وَمَا يَؤْمِنِّي أَنْ يُقَالَ لَهُ بِقَتْلِ الْوَزِيرِ، فَيَقُولَ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنَّهُ قَاتِلِي!
وَلَمَّا قُتِلَ رَكِبَ هَارُونُ بْنُ غَرِيبٍ مُسْرِعًا إِلَى الْوَزِيرِ الْخَاقَانِيِّ، وَهَنَّأَهُ بِقَتْلِهِ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى ظَنَّ هَارُونُ وَمَنْ هُنَاكَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَصَرَخَ أَهْلُهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ مِنْ غَشْيَتِهِ لَمْ يُفَارِقْهُ هَارُونُ حَتَّى أَخَذَ مِنْهُ أَلْفَيْ دِينَارٍ.
وَأَمَّا أَوْلَادُهُ (سِوَى الْمُحَسِّنِ) فَإِنَّ مُؤْنِسًا الْمُظَفَّرَ شَفَعَ فِي ابْنَيْهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute