وَاتَّصَلَ بِهِ أَنَّ بَعْضَ رُؤَسَاءِ الدَّيْلَمِ جَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا وَأَغَارَ عَلَى الرَّيِّ وَأَعْمَالِهَا، فَغَنِمَ وَسَبَى وَخَرَّبَ الْبِلَادَ، وَقَدْ عَجَزَ أَصْحَابُهُ فِي الثَّغْرِ عَنْ دَفْعِهِ، وَقَدْ قَرَّرُوا عَلَيْهِمْ إِتَاوَةً يَدْفَعُونَهَا إِلَيْهِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَسَيَّرَ مَرْزُبَانًا إِلَى الرَّيِّ فِي عَسْكَرٍ كَثِيفٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ عَلَى الدَّيْلَمِيِّ مَنْ يُطْمِعُهُ فِي الْبِلَادِ وَيُغْرِيهِ بِقَصْدِهَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَجَمَعَ الدَّيْلَمِيُّ جُمُوعَهُ وَسَارَ إِلَى الرَّيِّ، فَأَرْسَلَ الْمَرْزُبَانُ إِلَى بَهْرَامَ جَوْرَ يُعْلِمُهُ خَبَرَهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ نَحْوَ الدَّيْلَمِيِّ وَالْمُقَامِ بِمَوْضِعٍ سَمَّاهُ لَهُ، ثُمَّ سَارَ جَرِيدَةً فِي نَفَرٍ مِنْ خَوَاصِّهِ، فَأَدْرَكَ عَسْكَرَهُ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، وَالدَّيْلَمِيُّ لَا يَعْلَمُ بِوُصُولِهِ، وَهُوَ قَدْ قَوِيَ طَمَعُهُ لِذَلِكَ، فَعَبَّى بَهْرَامُ أَصْحَابَهُ وَسَارَ نَحْوَ الدَّيْلَمِ، فَلَقِيَهُمْ وَبَاشَرَ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ، فَأَخَذَ رَئِيسَهُمْ أَسِيرًا، وَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُ، فَأَمَرَ بَهْرَامُ بِالنِّدَاءِ فِيهِمْ بِالْأَمَانِ لِمَنْ عَادَ إِلَيْهِ، فَعَادَ الدَّيْلَمُ جَمِيعُهُمْ، فَآمَنَهُمْ وَلَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَعَادُوا إِلَى أَحْسَنِ طَاعَةٍ، وَأَبْقَى عَلَى رَئِيسِهِمْ، وَصَارَ مِنْ خَوَاصِّهِ.
وَقِيلَ: كَانَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ قَبْلَ حَرْبِ التُّرْكِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَمَّا ظَفِرَ بِالدَّيْلَمِ أَمَرَ بِبِنَاءِ مَدِينَةٍ سَمَّاهَا فَيْرُوزَ بَهْرَامَ، فَبُنِيَتْ لَهُ هِيَ وَرُسْتَاقُهَا. وَاسْتَوْزَرَ نَرْسِي، فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ مَاضٍ إِلَى الْهِنْدِ مُتَخَفِّيًا، فَسَارَ إِلَى الْهِنْدِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ، غَيْرَ أَنَّ الْهِنْدَ يَرَوْنَ شَجَاعَتَهُ وَقَتْلَهُ السِّبَاعَ. ثُمَّ إِنَّ فِيلًا ظَهَرَ وَقَطَعَ السَّبِيلَ وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا، فَاسْتُدِلَّ عَلَيْهِ، فَسَمِعَ الْمَلِكُ خَبَرَهُ فَأَرْسَلَ مَعَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِخَبَرِهِ. فَانْتَهَى بَهْرَامُ وَالْهِنْدِيُّ مَعَهُ إِلَى الْأَجَمَةِ، فَصَعِدَ الْهِنْدِيُّ شَجَرَةً وَمَضَى بَهْرَامُ فَاسْتَخْرَجَ الْفِيلَ وَخَرَجَ وَلَهُ صَوْتٌ شَدِيدٌ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَادَ يَغِيبُ، وَوَقَذَهُ بِالنِّشَابِ وَأَخَذَ مِشْفَرَهُ، وَلَمْ يَزَلْ يَطْعَنُهُ حَتَّى أَمْكَنَ مِنْ نَفْسِهِ فَاحْتَزَّ رَأْسَهُ وَأَخْرَجَهُ.
وَأَعْلَمَ الْهِنْدِيُّ مَلِكَهُمْ بِمَا رَأَى، فَأَكْرَمَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ، فَذَكَرَ أَنَّ مَلِكَ فَارِسَ سَخِطَ عَلَيْهِ فَهَرَبَ إِلَى جِوَارِهِ، وَكَانَ لِهَذَا الْمَلِكِ عَدُوٌّ فَقَصَدَهُ، فَاسْتَسْلَمَ الْمَلِكُ وَأَرَادَ أَنْ يُطِيعَ وَيَبْذُلَ الْخَرَاجَ، فَنَهَاهُ بَهْرَامُ وَأَشَارَ بِمُحَارَبَتِهِ، فَلَمَّا الْتَقَوْا قَالَ لِأَسَاوِرَةِ الْهِنْدِيِّ: احْفَظُوا لِي ظَهْرِي، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَضْرِبُ فِي أَعْرَاضِهِمْ وَيَرْمِيهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute