مُوبَذَانْ مُوبَذْ فَقَالَ بَهْرَامُ لِكِسْرَى: دُونَكَ التَّاجُ وَالزِّينَةُ. فَقَالَ كِسْرَى: أَنْتَ أَوْلَى لِأَنَّكَ تَطْلُبُ الْمُلْكَ بِوِرَاثَةٍ، وَأَنَا فِيهِ مُغْتَصِبٌ. فَحَمَلَ بَهْرَامُ جُرْزًا وَتَوَجَّهَ نَحْوَ التَّاجِ، فَبَدَرَ إِلَيْهِ أَحَدُ الْأَسَدَيْنِ فَوَثَبَ بَهْرَامُ فَعَلَا ظَهْرَهُ وَعَصَرَ جَنْبَيِ الْأَسَدِ بِفَخِذَيْهِ وَجَعَلَ يَضْرِبُ رَأْسَهُ بِالْجُرْزِ الَّذِي مَعَهُ. ثُمَّ وَثَبَ الْأَسَدُ الْآخَرُ عَلَيْهِ، فَقَبَضَ أُذُنَيْهِ بِيَدِهِ، وَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُ رَأْسَهُ بِرَأْسِ الْأَسَدِ الْآخَرِ الَّذِي تَحْتَهُ حَتَّى دَمَغَهُمَا، ثُمَّ قَتَلَهُمَا بِالْجُرْزِ الَّذِي مَعَهُ، وَتَنَاوَلَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّاجَ وَالزِّينَةَ. فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَطَاعَهُ كِسْرَى، وَقَالَ جَمِيعُ مَنْ حَضَرَ: قَدْ أَذْعَنَّا لَكَ وَرَضِينَا بِكَ مَلِكًا، وَإِنَّ الْعُظَمَاءَ وَالْوُزَرَاءَ وَالْأَشْرَافَ سَأَلُوا الْمُنْذِرَ لِيُكَلِّمَ بَهْرَامَ فِي الْعَفْوِ عَنْهُمْ. فَسَأَلَ الْمُنْذِرُ الْمَلِكَ بَهْرَامَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ.
وَمَلَكَ بَهْرَامُ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً، وَأَمَرَ أَنْ يُلْزِمَ رَعِيَّتَهُ رَاحَةً وَدَعَةً، وَجَلَسَ لِلنَّاسِ يَعِدُهُمْ بِالْخَيْرِ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَلَمْ يَزَلْ مُدَّةَ مُلْكِهِ يُؤْثِرُ اللَّهْوَ عَلَى مَا سِوَاهُ، حَتَّى طَمَّعَ فِيهِ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْمُلُوكِ فِي بِلَادِهِ.
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَبَقَ إِلَى قَصْدِهِ خَاقَانُ مَلِكُ التُّرْكِ، فَإِنَّهُ غَزَاهُ فِي مِائَتَيْ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا مِنَ التُّرْكِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى الْفُرْسِ، وَدَخَلَ الْعُظَمَاءُ عَلَى بَهْرَامَ وَحَذَّرُوهُ فَتَمَادَى فِي لَهْوِهِ، ثُمَّ تَجَهَّزَ وَسَارَ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ لِيَتَنَسَّكَ فِي بَيْتِ نَارِهَا، وَيَتَصَيَّدَ بِأَرْمِينِيَّةَ فِي سَبْعَةِ رَهْطٍ مِنَ الْعُظَمَاءِ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ ذَوِي الْبَأْسِ وَالنَّجْدَةِ، وَاسْتَخْلَفَ أَخَاهُ نَرْسِي، فَمَا شَكَّ النَّاسُ فِي أَنَّهُ هَرَبَ مِنْ عَدُوِّهِ، فَاتَّفَقَ رَأْيُ جُمْهُورِهِمْ عَلَى الِانْقِيَادِ إِلَى خَاقَانَ، وَبَذْلِ الْخَرَاجِ لَهُ خَوْفًا عَلَى نُفُوسِهِمْ وَبِلَادِهِمْ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ خَاقَانُ فَأَمَّنَ نَاحِيَتَهُمْ، وَسَارَ بَهْرَامُ مِنْ أَذْرَبِيجَانَ إِلَى خَاقَانَ فِي تِلْكَ الْعُدَّةِ، فَثَبَتَ لِلْقِتَالِ وَقَتَلَ خَاقَانَ بِيَدِهِ وَقَتَلَ جُنْدَهُ وَانْهَزَمَ مَنْ سَلِمَ مِنَ الْقَتْلِ، وَأَمْعَنَ بَهْرَامُ فِي طَلَبِهِمْ يَقْتُلُ وَيَأْسِرُ وَيَغْنَمُ وَيَسْبِي، وَعَادَ جُنْدُهُ سَالِمِينَ، وَظَفِرَ بِتَاجِ خَاقَانَ وَإِكْلِيلِهِ، وَغَلَبَ عَلَى طَرَفٍ مِنْ بِلَادِهِ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا مَرْزُبَانًا، وَأَتَاهُ رُسُلُ التُّرْكِ خَاضِعِينَ مُطِيعِينَ، وَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ حَدًّا لَا يَعْدُونَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَائِدًا مِنْ قُوَّادِهِ فَقَتَلَ وَسَبَى وَغَنِمَ، وَعَادَ بَهْرَامُ إِلَى الْعِرَاقِ، وَوَلَّى أَخَاهُ نَرْسِي خُرَاسَانَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ مَدِينَةَ بَلْخٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute