بِفِيهِ، فَرَمَاهُ بَهْرَامُ بِسَهْمٍ فَنَفَذَ فِي الْأَسَدِ وَالْعِيرِ وَوَصَلَ إِلَى الْأَرْضِ فَسَاخَ السَّهْمُ إِلَى ثُلُثِهِ، فَرَآهُ مَنْ مَعَهُ فَعَجِبُوا مِنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّيْدِ وَاللَّهْوِ وَالتَّلَذُّذِ.
فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ عِنْدَ الْمُنْذِرِ، فَتَعَاهَدَ الْعُلَمَاءُ وَأَهْلُ الشَّرَفِ عَلَى أَنْ لَا يُمَلِّكُوا أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّةِ يَزْدَجِرْدَ لِسُوءِ سِيرَتِهِ، فَاجْتَمَعَتِ الْكَلِمَةُ عَلَى صَرْفِ الْمُلْكِ عَنْ بَهْرَامَ لِنُشُوئِهِ فِي الْعَرَبِ وَتَخَلُّقِهِ بِأَخْلَاقِهِمْ، وَلِأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ يَزْدَجِرْدَ، وَمَلَّكُوا رَجُلًا مِنْ عَقِبِ أَرْدَشِيرَ بْنِ بَابَكَ يُقَالُ لَهُ كِسْرَى. فَانْتَهَى هَلَاكُ يَزْدَجِرْدَ وَتَمْلِيكُ كِسْرَى إِلَى بَهْرَامَ، فَدَعَا بِالْمُنْذِرِ وَابْنِهِ النُّعْمَانِ وَنَاسٍ مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَعَرَّفَهُمْ إِحْسَانَ وَالِدِهِ إِلَيْهِمْ وَشِدَّتَهُ عَلَى الْفُرْسِ، وَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ. فَقَالَ الْمُنْذِرُ: لَا يَهُولَنَّكَ ذَلِكَ حَتَّى أُلْطِفَ الْحِيلَةَ فِيهِ، وَجَهَّزَ عَشْرَةَ آلَافِ فَارِسٍ وَوَجَّهَهُمْ مَعَ ابْنِهِ النُّعْمَانِ إِلَى طَيْسَفُونَ وَبَهْرَ سِيرَ مَدِينَتَيِ الْمُلْكِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَسْكِرَ قَرِيبًا مِنْهُمَا، وَيُرْسِلَ طَلَائِعَهُ إِلَيْهِمَا، وَأَنْ يُقَاتِلَ مَنْ قَاتَلَهُ وَيُغِيرَ عَلَى الْبِلَادِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ عُظَمَاءُ فَارِسَ حُوَابَى صَاحِبَ رَسَائِلِ يَزْدَجِرْدَ إِلَى الْمُنْذِرِ يُعْلِمْهُ أَمْرَ النُّعْمَانِ، فَلَمَّا وَرَدَ حُوَابَى قَالَ لَهُ: الْقَ الْمَلِكَ بَهْرَامَ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَرَاعَهُ مَا رَأَى مِنْهُ، فَأَغْفَلَ السُّجُودَ دَهْشًا، فَعَرَفَ بَهْرَامُ ذَلِكَ فَكَلَّمَهُ وَوَعَدَهُ أَحْسَنَ الْوَعْدِ وَرَدَّهُ إِلَى الْمُنْذِرِ وَقَالَ لَهُ: أَجِبْهُ. فَلَمَّا سَمِعَ حُوَابَى مَقَالَةَ الْمُنْذِرِ وَتَذَكَّرَ مَا رَأَى مِنْ بَهْرَامَ عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَ مَنْ تَشَاوَرَ فِي صَرْفِ الْمُلْكِ عَنْ بَهْرَامَ مَحْجُوجٌ، فَقَالَ لِلْمُنْذِرِ: سِرْ إِلَى مَدِينَةِ الْمُلُوكِ فَيَجْتَمِعُ إِلَيْكَ الْأَشْرَافُ وَالْعُظَمَاءُ، وَتَشَاوَرُوا فِي ذَلِكَ فَلَنْ يُخَالِفُوا مَا تُشِيرُ بِهِ.
وَسَارَ الْمُنْذِرُ بَعْدَ عَوْدِ حُوَابَى مِنْ عِنْدِهِ بِيَوْمٍ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا مِنْ فُرْسَانِ الْعَرَبِ إِلَى مَدِينَتَيِ الْمَلِكِ بَهْرَامَ، فَجَمَعَ النَّاسَ، وَصَعِدَ بَهْرَامُ عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِالْجَوَاهِرِ، وَتَكَلَّمَ عُظَمَاءُ الْفُرْسِ فَذَكَرُوا فَظَاظَةَ يَزْدَجِرْدَ - أَبِي بَهْرَامَ - وَسُوءَ سِيرَتِهِ، وَكَثْرَةَ قَتْلِهِ وَإِخْرَابَ الْبِلَادِ، وَأَنَّهُمْ لِهَذَا السَّبَبِ صَرَفُوا الْمُلْكَ عَنْ وَلَدِهِ.
فَقَالَ بَهْرَامُ: لَسْتُ أُكَذِّبُكُمْ، وَمَازِلْتُ زَارِيًا عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَمْ أَزَلْ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنَّ يُمَكِّنَنِي لِأُصْلِحَ مَا أَفْسَدَ، وَمَعَ هَذَا فَإِذَا أَتَى عَلَى مُلْكِي سَنَةٌ وَلَمْ أَفِ بِمَا أَعِدُ تَبَرَّأْتُ مِنَ الْمُلْكِ طَائِعًا، وَأَنَا رَاضٍ بِأَنْ تَجْعَلُوا التَّاجَ وَزِينَةَ الْمُلْكِ بَيْنَ أَسَدَيْنِ ضَارِيَيْنِ فَمَنْ تَنَاوَلَهُمَا كَانَ الْمُلْكُ لَهُ. فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ، وَوَضَعُوا التَّاجَ وَالزِّينَةَ بَيْنَ أَسَدَيْنِ، وَحَضَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute