مَلِكُ فَارِسَ كَتِيبَتَيْنِ يُقَالُ إِحْدَاهَا دَوْسٌ وَهِيَ لِتَنُوخَ، وَلِلْأُخْرَى الشَّهْبَاءُ وَهِيَ لِفَارِسَ، فَكَانَ يَغْزُو بِهَا الشَّامَ وَمَنْ لَمْ يُطِعْهُ مِنَ الْعَرَبِ.
ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ يَوْمًا فِي مَجْلِسِهِ مِنَ الْخَوَرْنَقِ، فَأَشْرَفَ مِنْهُ عَلَى النَّجَفِ وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْبَسَاتِينِ وَالْأَنْهَارِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الرَّبِيعِ، فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ لِوَزِيرِهِ: هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَ هَذَا الْمَنْظَرِ قَطُّ؟ قَالَ: لَا لَوْ كَانَ يَدُومُ. قَالَ: فَمَا الَّذِي يَدُومُ؟ قَالَ: مَا عِنْدَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ. قَالَ: فَبِمَ يُنَالُ ذَلِكَ؟ قَالَ: بِتَرْكِكَ الدُّنْيَا وَعِبَادَةِ اللَّهِ. فَتَرَكَ مُلْكَهُ مِنْ لَيْلَتِهِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَخَرَجَ هَارِبًا لَا يُعْلَمُ بِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَلَمْ يَرَوْهُ.
وَكَانَ مُلْكُهُ إِلَى أَنْ تَرَكَهُ وَسَاحَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، مِنْ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ يَزْدَجِرْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَفِي زَمَنِ بَهْرَامَ جَوْرَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْفُرْسِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ غَيْرَ هَذَا، وَسَيَرِدُ ذِكْرُهُ.
ذِكْرُ مُلْكِ بَهْرَامَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ الْأَثِيمِ
لَمَّا وُلِدَ يَزْدَجِرْدَ جَوْرَ اخْتَارَ لِحَضَانَتِهِ الْعَرَبَ، فَدَعَا بِالْمُنْذِرِ بْنِ النُّعْمَانِ وَاسْتَحْضَنَهُ بَهْرَامَ وَشَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ وَمَلَّكَهُ عَلَى الْعَرَبِ، فَسَارَ بِهِ الْمُنْذِرُ وَاخْتَارَ لِرَضَاعِهِ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ ذَوَاتِ أَجْسَامٍ صَحِيحَةٍ وَأَذْهَانٍ ذَكِيَّةٍ وَآدَابٍ حَسَنَةٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ، مِنْهُنَّ عَرَبِيَّتَانِ وَعَجَمِيَّةٌ، فَأَرْضَعْنَهُ ثَلَاثَ سِنِينَ. فَلَمَّا بَلَغَ خَمْسَ سِنِينَ أَحْضَرَ لَهُ مُؤَدِّبِينَ فَعَلَّمُوهُ الْكِتَابَةَ وَالرَّمْيَ وَالْفِقْهَ بِطَلَبٍ مِنْ بَهْرَامَ بِذَلِكَ، وَأَحْضَرَ حَكِيمًا مِنْ حُكَمَاءِ الْفُرْسِ فَتَعَلَّمَ وَوَعَى كُلَّ مَا عَلِمَهُ بِأَدْنَى تَعْلِيمٍ. فَلَمَّا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً تَعَلَّمَ كُلَّ مَا أُفِيدَ وَفَاقَ مُعَلِّمِيهِ، فَأَمَرَهُمُ الْمُنْذِرُ بِالِانْصِرَافِ، وَأَحْضَرَ مُعَلِّمِي الْفُرُوسِيَّةِ فَأَخَذَ عَنْهُمْ كُلَّ مَا يَنْبَغِي لَهُ، ثُمَّ صَرَفَهُمْ، ثُمَّ أَمَرَ فَأُحْضِرَتْ خَيْلُ الْعَرَبِ لِلسِّبَاقِ فَسَبَقَهَا فَرَسٌ أَشْقَرُ لِلْمُنْذِرِ وَأَقْبَلَ بَاقِي الْخَيْلِ بَدَادِ بَدَادِ، فَقَرَّبَ الْمُنْذِرُ الْفَرَسَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ وَرَكِبَهُ يَوْمًا لِلصَّيْدِ، فَبَصُرَ بِعَانَةِ حُمُرٍ وَحْشٍ، فَرَمَى عَلَيْهَا وَقَصَدَهَا وَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ قَدْ أَخَذَ عِيرًا مِنْهَا فَتَنَاوَلَ ظَهْرَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute