مِنْهُ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ كَانَ بِجُرْجَانَ فَرَأَى ذَاتَ يَوْمٍ فِي قَصْرِهِ فَرَسًا عَائِرًا لَمْ يَرَ مِثْلَهُ، فَأَخْبَرَ بِهِ، فَأَمَرَ أَنْ يُسْرَجَ وَيُلْجَمَ وَيُدْخَلَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، فَأُعْلِمَ بِذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَأَلْجَمَهُ بِيَدِهِ وَأَسْرَجَهُ، فَلَمَّا رَفَعَ ذَنَبَهُ لِيُثْفِرَهُ رَمَحَهُ عَلَى فُؤَادِهِ رَمْحَةً هَلَكَ مِنْهَا مَكَانَهُ، وَمَلَأَ الْفَرَسُ فُرُوجَهُ جَرْيًا وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ خَبَرٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ.
وَكَانَ مُلْكُهُ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَخَمْسَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا.
وَأَمَّا الْعَرَبُ، فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا هَلَكَ عَمْرُو بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ الْبَدْءِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ فِي عَهْدِ سَابُورَ اسْتَخْلَفَ سَابُورُ عَلَى عَمَلِهِ أَوْسَ بْنَ قَلَّامٍ، وَهُوَ مِنَ الْعَمَالِيقِ، فَمَلَكَ خَمْسَ سِنِينَ وَقُتِلَ فِي عَهْدِ بَهْرَامَ بْنِ سَابُورَ، فَاسْتُخْلِفَ بَعْدَهُ فِي عَمَلِهِ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْبَدْءِ، فَبَقِيَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَهَلَكَ أَيَّامَ يَزْدَجِرْدَ الْأَثِيمِ.
فَاسْتُخْلِفَ بَعْدَهُ فِي عَمَلِهِ ابْنُهُ النُّعْمَانُ وَأُمُّهُ شَقِيقَةُ ابْنَةِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْخَوَرْنَقِ. وَسَبَبُ بِنَائِهِ لَهُ أَنَّ يَزْدَجِرْدَ الْأَثِيمَ كَانَ لَا يَبْقَى لَهُ وَلَدٌ، فَسَأَلَ عَنْ مَنْزِلٍ مَرِيءٍ صَحِيحٍ، فَدُلَّ عَلَى ظَاهِرِ الْحِيرَةِ، فَدَفَعَ ابْنَهُ بَهْرَامَ جَوْرَ إِلَى النُّعْمَانِ هَذَا وَأَمَرَهُ بِبِنَاءِ الْخَوَرْنَقِ مَسْكَنًا لَهُ وَأَمَرَهُ بِإِخْرَاجِهِ إِلَى بَوَادِي الْعَرَبِ، وَكَانَ الَّذِي بَنَى الْخَوَرْنَقَ رَجُلًا اسْمُهُ سِنِمَّارَ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَائِهِ تَعَجَّبُوا مِنْهُ، فَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ تُوَفُّونَنِي أَجْرِي لَعَمِلْتُهُ يَدُورُ مَعَ الشَّمْسِ. فَقَالَ: وَإِنَّكَ تَقْدِرُ عَلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ! ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُلْقِيَ مِنْ رَأْسِ الْخَوَرْنَقِ فَهَلَكَ، فَضَرَبَتِ الْعَرَبُ بِجَزَائِهِ الْمَثَلَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي أَشْعَارِهَا.
وَغَزَا النُّعْمَانُ هَذَا الشَّامَ مِرَارًا، وَأَكْثَرَ الْمَصَائِبَ فِي أَهْلِهَا وَسَبَى وَغَنِمَ، وَجَعَلَ مَعَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute