مَنْ يُرِيدُ إِيحَاشَهُ مِنْ مَوْلَاهُ، وَأَنَّهُ مَا اسْتَدْعَى الْجُنْدَ، وَإِنَّمَا هُمْ حَضَرُوا، وَقَدْ فَرَّقَهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ مُؤْنِسًا قَصَدَ دَارَ الْمُقْتَدِرِ فِي جَمْعٍ مِنَ الْقُوَّادِ، وَدَخَلَ إِلَيْهِ، وَقَبَّلَ يَدَهُ، وَحَلَفَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى صَفَاءِ نِيَّتِهِ لَهُ، وَوَدَّعَهُ وَسَارَ إِلَى الثَّغْرِ فِي الْعَشْرِ الْآخَرِ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، وَخَرَجَ لِوَدَاعِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْمُقْتَدِرِ، وَهُوَ الرَّاضِي بِاللَّهِ، وَالْوَزِيرُ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى.
ذِكْرُ (وُصُولِ الْقَرَامِطَةِ إِلَى الْعِرَاقِ) وَقَتْلِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي السَّاجِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِمَسِيرِ أَبِي طَاهِرٍ الْقَرْمَطِيِّ مِنْ هَجَرَ نَحْوَ الْكُوفَةِ ثُمَّ وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ مِنَ الْبَصْرَةِ بِأَنَّهُ اجْتَازَ قَرِيبًا مِنْهُمْ نَحْوَ الْكُوفَةِ. فَكَتَبَ الْمُقْتَدِرُ إِلَى يُوسُفَ بْنِ أَبِي السَّاجِ يُعَرِّفُهُ هَذَا الْخَبَرَ، وَيَأْمُرُهُ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْكُوفَةِ، فَسَارَ إِلَيْهَا عَنْ وَاسِطَ، آخِرَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ بِالْكُوفَةِ الْأَنْزَالَ لَهُ وَلِعَسْكَرِهِ، فَلَمَّا وَصَلَهَا أَبُو طَاهِرٍ الْهَجَرِيُّ هَرَبَ نُوَّابُ السُّلْطَانِ عَنْهَا، وَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا أَبُو طَاهِرٍ، وَعَلَى تِلْكَ الْأَنْزَالِ وَالْعُلُوفَاتِ، وَكَانَ فِيهَا مِائَةُ كُرٍّ دَقِيقًا، وَأَلْفُ كُرٍّ شَعِيرًا، وَكَانَ قَدْ فَنِيَ مَا مَعَهُ مِنَ الْمِيرَةِ وَالْعَلُوفَةِ، فَقَوُوا بِمَا أَخَذُوهُ.
وَوَصَلَ يُوسُفُ إِلَى الْكُوفَةِ بَعْدَ وُصُولِ الْقَرْمَطِيِّ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ، فَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا، وَكَانَ وُصُولُهُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ ثَامِنَ شَوَّالٍ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِمْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ الْمُقْتَدِرِ، فَإِنْ أَبَوْا فَمَوْعِدُهُمُ الْحَرْبُ يَوْمَ الْأَحَدِ، فَقَالُوا: لَا طَاعَةَ عَلَيْنَا إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمَوْعِدُ بَيْنَنَا لِلْحَرْبِ بُكْرَةَ غَدٍ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ ابْتَدَأَ أَوْبَاشُ الْعَسْكَرِ بِالشَّتْمِ وَرَمْيِ الْحِجَارَةِ، وَرَأَى يُوسُفُ قِلَّةَ الْقَرَامِطَةِ، فَاحْتَقَرَهُمْ، وَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْكِلَابَ بَعْدَ سَاعَةٍ فِي يَدِي! وَتَقَدَّمَ بِأَنْ يَكْتُبَ كِتَابَ الْفَتْحِ وَالْبِشَارَةِ بِالظَّفَرِ قَبْلَ اللِّقَاءِ تَهَاوُنًا بِهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute