وَزَحَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، (فَسَمِعَ أَبُو طَاهِرٍ) أَصْوَاتَ الْبُوقَاتِ وَالزَّعَقَاتِ، فَقَالَ لِصَاحِبٍ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: فَشَلٌ! قَالَ: أَجَلْ، لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، فَاقْتَتَلُوا مِنْ ضَحْوَةِ النَّهَارِ، يَوْمَ السَّبْتِ، إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَصَبَرَ الْفَرِيقَانِ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَاهِرٍ ذَلِكَ بَاشَرَ الْحَرْبَ بِنَفْسِهِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ يَثِقُ بِهِمْ، وَحَمَلَ بِهِمْ، فَطَحَنَ أَصْحَابَ يُوسُفَ، وَدَقَّهُمْ، فَانْهَزَمُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَسَرَ يُوسُفَ وَعَدَدًا كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَانَ أَسْرُهُ وَقْتَ الْمَغْرِبِ، وَحَمَلُوهُ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَوَكَّلَ بِهِ أَبُو طَاهِرٍ طَبِيبًا يُعَالِجُ جِرَاحَهُ.
وَوَرَدَ الْخَبَرُ إِلَى بَغْدَاذَ بِذَلِكَ، فَخَافَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ مِنَ الْقَرَامِطَةِ خَوْفًا شَدِيدًا، وَعَزَمُوا عَلَى الْهَرَبِ إِلَى حُلْوَانَ وَهَمَذَانَ، وَدَخَلَ الْمُنْهَزِمُونَ بَغْدَاذَ، أَكْثَرُهُمْ رَجَّالَةٌ، حُفَاةٌ، عُرَاةٌ، فَبَرَزَ مُؤْنِسٌ الْمُظَفَّرُ لِيَسِيرَ إِلَى الْكُوفَةِ، فَأَتَاهُمُ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْقَرَامِطَةَ قَدْ سَارُوا إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ، فَأَنْفَذَ مِنْ بَغْدَاذَ خَمْسَمِائَةِ سُمَيْرِيَّةٍ فِيهَا الْمُقَاتِلَةُ لِتَمْنَعَهُمْ مِنْ عُبُورِ الْفُرَاتِ، (وَسَيَّرَ جَمَاعَةً مِنَ الْجَيْشِ إِلَى الْأَنْبَارِ لِحِفْظِهَا، وَمَنْعِ الْقَرَامِطَةِ مِنَ الْعُبُورِ هُنَالِكَ.
ثُمَّ إِنَّ الْقَرَامِطَةَ قَصَدُوا الْأَنْبَارَ، فَقَطَعَ أَهْلُهَا الْجِسْرَ، وَنَزَلَ الْقَرَامِطَةُ غَرْبَ الْفُرَاتِ، وَأَنْفَذَ أَبُو طَاهِرٍ أَصْحَابَهُ إِلَى الْحَدِيثَةِ، فَأَتَوْهُ بِسُفُنٍ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ الْأَنْبَارِ بِذَلِكَ، وَعَبَرَ فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْقَرَامِطَةِ، فَقَاتَلُوا عَسْكَرَ الْخَلِيفَةِ، فَهَزَمُوهُمْ، وَقَتَلُوا مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَاسْتَوْلَى الْقَرَامِطَةُ عَلَى مَدِينَةِ الْأَنْبَارِ، وَعَقَدُوا الْجِسْرَ، وَعَبَرَ أَبُو طَاهِرٍ جَرِيدَةَ وَخَلَّفَ سَوَادَهُ بِالْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ.
وَلَمَّا وَرَدَ الْخَبَرُ بِعُبُورِ أَبِي طَاهِرٍ إِلَى الْأَنْبَارِ، خَرَجَ نَصْرٌ الْحَاجِبُ فِي عَسْكَرٍ جَرَّارٍ، فَلَحِقَ بِمُؤْنِسٍ الْمُظَفَّرِ، فَاجْتَمَعَا فِي نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، سِوَى الْغِلْمَانِ وَمَنْ يُرِيدُ النَّهْبَ، وَكَانَ مِمَّنْ مَعَهُ أَبُو الْهَيْجَاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْدَانَ، وَمِنْ إِخْوَتِهِ أَبُو الْوَلِيدِ، وَأَبُو السَّرَايَا فِي أَصْحَابِهِمْ، وَسَارُوا حَتَّى بَلَغُوا نَهْرَ زَبَارَا، عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ بَغْدَاذَ، عِنْدَ عَقْرَقُوفَ، فَأَشَارَ أَبُو الْهَيْجَاءِ بْنُ حَمْدَانَ بِقَطْعِ الْقَنْطَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ، فَقَطَعُوهَا، وَسَارَ أَبُو طَاهِرٍ وَمَنْ مَعَهُ نَحْوَهُمْ، فَبَلَغُوا نَهْرَ زَبَارَا، وَفِي أَوَائِلِهِمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، فَمَا زَالَ الْأَسْوَدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute