يَدْنُو مِنَ الْقَنْطَرَةِ، وَالنِّشَابُ يَأْخُذُهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ، حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْهَا، فَرَآهَا مَقْطُوعَةً، فَعَادَ وَهُوَ مِثْلُ الْقُنْفُذِ.
وَأَرَادَ الْقَرَامِطَةُ الْعُبُورَ فَلَمْ يُمْكِنْهُمْ لِأَنَّ النَّهْرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَخَاضَةٌ، وَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى عَسْكَرِ الْخَلِيفَةِ هَرَبَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ إِلَى بَغْدَاذَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْقَوْهُمْ، فَلَمَّا رَأَى ابْنُ حَمْدَانَ ذَلِكَ قَالَ لِمُؤْنِسٍ: كَيْفَ رَأَيْتَ مَا أَشَرْتُ بِهِ عَلَيْكُمْ؟ فَوَاللَّهِ لَوْ عَبَرَ الْقَرَامِطَةُ النَّهْرَ لَانْهَزَمَ كُلُّ مَنْ مَعَكَ وَلَأَخَذُوا بَغْدَاذَ، وَلَمَّا رَأَى الْقَرَامِطَةُ ذَلِكَ، (عَادُوا إِلَى الْأَنْبَارِ) ، وَسَيَّرَ مُؤْنِسٌ الْمُظَفَّرُ صَاحِبَهُ بُلَيْقًا فِي سِتَّةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، إِلَى عَسْكَرِ الْقَرَامِطَةِ، غَرْبِيَّ الْفُرَاتِ، لِيَغْنَمُوهُ وَيُخَلِّصُوا ابْنَ أَبِي السَّاجِ، فَبَلَغُوا إِلَيْهِمْ، وَقَدْ عَبَرَ أَبُو طَاهِرٍ الْفُرَاتَ فِي زَوْرَقِ صَيَّادٍ، وَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَلَمَّا رَآهُ أَصْحَابُهُ قَوِيَتْ قُلُوبُهُمْ، وَلَمَّا أَتَاهُمْ عَسْكَرُ مُؤْنِسٍ كَانَ أَبُو طَاهِرٍ عِنْدَهُمْ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُ الْخَلِيفَةِ.
وَنَظَرَ أَبُو طَاهِرٍ إِلَى ابْنِ أَبِي السَّاجِ وَهُوَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْخَيْمَةِ يَنْظُرُ وَيَرْجُو الْخَلَاصَ، وَقَدْ نَادَاهُ أَصْحَابُهُ: أَبْشِرْ بِالْفَرَجِ! فَلَمَّا انْهَزَمُوا أَحْضَرَهُ وَقَتَلَهُ، وَقَتَلَ جَمِيعَ الْأَسْرَى مِنْ أَصْحَابِهِ. وَسَلِمَتْ بَغْدَاذُ مِنْ نَهْبِ الْعَيَّارِينَ، لِأَنَّ نَازُوكَ كَانَ يَطُوفُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَمَنْ وَجَدُوهُ بَعْدَ الْعَتَمَةِ قَتَلُوهُ فَامْتَنَعَ الْعَيَّارُونَ، وَاكْتَرَى كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ بَغْدَاذَ سُفُنًا، وَنَقَلُوا إِلَيْهَا أَمْوَالَهُمْ، وَرَبَطُوهَا لِيَنْحَدِرُوا إِلَى وَاسِطَ، وَفِيهِمْ مَنْ نَقَلَ مَتَاعَهُ إِلَى وَاسِطَ وَإِلَى حُلْوَانَ لِيَسِيرُوا إِلَى خُرَاسَانَ. وَكَانَ عِدَّةُ الْقَرَامِطَةِ أَلْفَ رَجُلٍ وَخَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ سَبْعُمِائَةِ فَارِسٍ وَثَمَانِمِائَةِ رَاجِلٍ، وَقِيلَ كَانُوا أَلْفَيْنِ وَسَبْعَمِائَةٍ.
وَقَصَدَ الْقَرَامِطَةُ مَدِينَةَ هَيْتَ، وَكَانَ الْمُقْتَدِرُ قَدْ سَيَّرَ إِلَيْهَا سَعِيدَ بْنَ حَمْدَانَ، وَهَارُونَ بْنَ غَرِيبٍ، فَلَمَّا بَلَغَهَا الْقَرَامِطَةُ رَأَوْا عَسْكَرَ الْخَلِيفَةِ قَدْ سَبَقَهُمْ فَقَاتَلُوهُمْ عَلَى السُّورِ، فَقَتَلُوا مِنَ الْقَرَامِطَةِ جَمَاعَةً كَثِيرَةً، فَعَادُوا عَنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute