وَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ بَغْدَاذَ عَوْدُهُمْ مِنْ هَيْتَ سَكَنَتْ قُلُوبُهُمْ، وَلَمَّا عَلِمَ الْمُقْتَدِرُ بِعِدَّةِ عَسْكَرِهِ وَعَسْكَرِ الْقَرَامِطَةِ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ أَلْفًا يَعْجَزُونَ عَنْ أَلْفَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ.
وَجَاءَ إِنْسَانٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ فِي جِيرَانِهِ رَجُلًا مِنْ شِيرَازَ عَلَى مَذْهَبِ الْقَرَامِطَةِ يُكَاتِبُ أَبَا طَاهِرٍ بِالْأَخْبَارِ، فَأَحْضَرَهُ، وَسَأَلَهُ وَاعْتَرَفَ، وَقَالَ: مَا صَحِبْتُ أَبَا طَاهِرٍ إِلَّا لِمَا صَحَّ عِنْدِي أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتَ وَصَاحِبُكَ كُفَّارٌ تَأْخُذُونَ مَا لَيْسَ لَكُمْ، وَلَا بُدَّ لِلَّهِ مِنْ حُجَّةٍ فِي أَرْضِهِ، وَإِمَامُنَا الْمَهْدِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ الْمُقِيمُ بِبِلَادِ الْمَغْرِبِ، وَلَسْنَا كَالرَّافِضَةِ، (وَالِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ) الَّذِينَ يَقُولُونَ بِجَهْلِهِمْ إِنَّ لَهُمْ إِمَامًا يَنْتَظِرُونَهُ، وَيَكْذِبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَيَقُولُ: قَدْ رَأَيْتُهُ وَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقْرَأُ، وَلَا يُنْكِرُونَ بِجَهْلِهِمْ وَغَبَاوَتِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى مِنَ الْعُمْرِ مَا يَظُنُّونَهُ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ خَالَطْتَ عَسْكَرَنَا وَعَرَفْتَهُمْ، فَمَنْ فِيهِمْ عَلَى مَذْهَبِكَ؟ فَقَالَ: وَأَنْتَ بِهَذَا الْعَقْلِ تُدَبِّرُ الْوِزَارَةُ، كَيْفَ تَطْمَعُ مِنِّي أَنَّنِي أُسَلِّمُ قَوْمًا مُؤْمِنِينَ إِلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ يَقْتُلُونَهُمْ؟ لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ. فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَمُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فَمَاتَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
وَقَدْ كَانَ ابْنُ أَبِي السَّاجِ قَبْلَ قِتَالِهِ الْقَرَامِطَةَ قَدْ قَبَضَ عَلَى وَزِيرِهِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ النِّيرَمَانِيِّ وَجَعَلَ مَكَانَهُ أَبَا عَلِيٍّ الْحَسَنَ بْنَ هَارُونَ، وَصَادَرَ مُحَمَّدًا عَلَى خَمْسِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيرَمَانِيَّ عَظُمَ شَأْنُهُ، وَكَثُرَ مَالُهُ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِوِزَارَةِ الْخَلِيفَةِ، فَكَتَبَ إِلَى نَصْرٍ الْحَاجِبِ يَخْطُبُ الْوِزَارَةَ.
وَيَسْعَى بِابْنِ أَبِي السَّاجِ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنَّهُ قَرْمَطِيٌّ يَعْتَقِدُ إِمَامَةَ الْعَلَوِيِّ الَّذِي بِإِفْرِيقِيَّةَ، وَإِنَّنِي نَاظِرْتُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute