لَمَّا لَبِسَ التَّاجَ جَلَسَ لِلنَّاسِ وَوَعَدَهُمْ، وَذَكَرَ أَبَاهُ وَمَنَاقِبَهُ، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَقَدُوا مِنْهُ طُولَ جُلُوسِهِ لَهُمْ فَإِنَّ خَلْوَتَهُ فِي مَصَالِحِهِمْ وَكَيْدِ أَعْدَائِهِمْ، وَأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْزَرَ نَرْسِي صَاحِبَ أَبِيهِ. وَعَدَلَ فِي رَعِيَّتِهِ وَقَمَعَ أَعْدَاءَهُ وَأَحْسَنَ إِلَى جُنْدِهِ.
وَكَانَ لَهُ ابْنَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا هُرْمُزُ، وَلِلْآخَرِ فَيْرُوزُ، وَكَانَ لِهُرْمُزَ سِجِسْتَانُ، فَغَلَبَ عَلَى الْمُلْكِ بَعْدَ هَلَاكِ أَبِيهِ يَزْدَجِرْدَ، فَهَرَبَ فَيْرُوزُ وَلَحِقَ بِبِلَادِ الْهَيَاطِلَةِ وَاسْتَنْجَدَ مَلِكَهُمْ، فَأَمَدَّهُ بَعْدَ أَنْ دَفَعَ لَهُ الطَّالْقَانَ، فَأَقْبَلَ بِهِمْ فَقَتَلَ أَخَاهُ بِالرَّيِّ، وَكَانَا مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَقِيلَ: لَمْ يَقْتُلْهُ وَإِنَّمَا أَسَرَهُ وَأَخَذَ الْمُلْكَ مِنْهُ.
وَكَانَ الرُّومُ مَنَعُوا الْخَرَاجَ عَنْ يَزْدَجِرْدَ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ نَرْسِي فِي الْعُدَّةِ الَّتِي أَنْفَذَهُ أَبُوهُ فِيهَا فَبَلَغَ إِرَادَتَهُ.
وَكَانَ مُلْكُ يَزْدَجِرْدَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
ذِكْرُ مُلْكِ فَيْرُوزَ بْنِ يَزْدَجِرْدَ بْنِ بَهْرَامَ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ أَخَاهُ هُرْمُزَ وَثَلَاثَةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ
وَلَمَّا ظَفِرَ فَيْرُوزُ بِأَخِيهِ وَمَلَكَ، أَظْهَرَ الْعَدْلَ وَأَحْسَنَ السِّيرَةَ، وَكَانَ يَتَدَيَّنُ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مَحْدُودًا مَشْئُومًا عَلَى رَعِيَّتِهِ، وَقَحَطَتِ الْبِلَادُ فِي زَمَانِهِ سَبْعَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً، وَغَارَتِ الْأَنْهَارُ وَالْقُنِيُّ، وَقَلَّ مَاءُ دِجْلَةَ، وَمَحَلَتِ الْأَشْجَارُ، وَهَاجَتْ عَامَّةُ الزُّرُوعِ فِي السَّهْلِ وَالْجَبَلِ مِنْ بِلَادِهِ، وَمَاتَتِ الطُّيُورُ وَالْوُحُوشُ، وَعَمَّ أَهْلَ الْبِلَادِ الْجُوعُ وَالْجُهْدُ الشَّدِيدُ، فَكَتَبَ إِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute