جَمِيعِ رَعِيَّتِهِ يُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِمْ وَلَا جِزْيَةَ وَلَا مَؤُونَةَ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ مَذْخُورٌ يُوَاسِي بِهِ النَّاسَ، وَأَنْ يَكُونَ حَالُ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَاحِدًا، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِنْ بَلَغَهُ أَنَّ إِنْسَانًا مَاتَ جُوعًا بِمَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَاقَبَهُمْ وَنَكَّلَ بِهِمْ، وَسَاسَ النَّاسَ سِيَاسَةً لَمْ يَعْطَبْ أَحَدٌ جُوعًا مَا خَلَا رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رُسْتَاقِ أَرْدَشِيرَ خَرَّةَ، وَابْتَهَلَ فَيْرُوزُ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ، فَأَزَالَ ذَلِكَ الْقَحْطَ وَعَادَتْ بِلَادُهُ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا حَيِيَ النَّاسُ وَالْبِلَادُ وَأَثْخَنَ فِي أَعْدَائِهِ سَارَ مُرِيدًا حَرْبَ الْهَيَاطِلَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ إِخْشِنْوَارْ مَلِكُهُمْ خَافَهُ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ اقْطَعْ يَدِي وَرِجْلِي وَأَلْقِنِي عَلَى الطَّرِيقِ، وَأَحْسِنْ إِلَى عِيَالِي لِأَحْتَالَ عَلَى فَيْرُوزَ. فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَاجْتَازَ بِهِ فَيْرُوزُ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قُلْتُ لِإِخْشِنْوَارْ لَا طَاقَةَ لَكَ بِفَيْرُوزَ فَفَعَلَ بِي هَذَا، وَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى طَرِيقٍ لَمْ يَسْلُكْهَا مَلِكٌ وَهِيَ أَقْرَبُ. فَاغْتَرَّ فَيْرُوزُ بِذَلِكَ وَتَبِعَهُ، فَسَارَ بِهِ وَبِجُنْدِهِ حَتَّى قَطَعَ بِهِمْ مَفَازَةً بَعْدَ مَفَازَةٍ، حَتَّى إِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْخَلَاصِ أَعْلَمَهُمْ حَالَهُ. فَقَالَ أَصْحَابُ فَيْرُوزَ لِفَيْرُوزَ: حَذَّرْنَاكَ فَلَمْ تَحْذَرْ، فَلَيْسَ إِلَّا التَّقَدُّمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَتَقَدَّمُوا أَمَامَهُمْ فَوَصَلُوا إِلَى عَدُوِّهِمْ وَهُمْ هَلْكَى عَطْشَى وَقَتَلَ الْعَطَشُ مِنْهُمْ كَثِيرًا. فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ صَالَحُوا إِخْشِنْوَارْ عَلَى أَنْ يُخْلِيَ سَبِيلَهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ عَلَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُ فَيْرُوزُ أَنَّهُ لَا يَغْزُو بِلَادَهُ، فَاصْطَلَحَا، وَكَتَبَ فَيْرُوزُ كِتَابًا بِالصُّلْحِ وَعَادَ.
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ فِي مَمْلَكَتِهِ حَمَلَتْهُ الْأَنَفَةُ عَلَى مُعَاوَدَةِ إِخْشِنْوَارَ، فَنَهَاهُ وُزَرَاؤُهُ عَنْ نَقْضِ الْعَهْدِ، فَلَمْ يَقْبَلْ وَسَارَ نَحْوَهُ، فَلَمَّا تَقَارَبَا أَمَرَ إِخْشِنْوَارْ فَحَفَرَ خَلْفَ عَسْكَرِهِ خَنْدَقًا عَرْضُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ وَعُمْقُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَغَطَّاهُ بِخَشَبٍ ضَعِيفٍ وَتُرَابٍ، ثُمَّ عَادَ وَرَاءَهُ، فَلَمَّا سَمِعَ فَيْرُوزُ بِذَلِكَ اعْتَقَدَهُ هَزِيمَةً فَتَبِعَهُ، وَلَا يَعْلَمُ عَسْكَرُ فَيْرُوزَ بِالْخَنْدَقِ، فَسَقَطَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِيهِ فَهَلَكُوا، وَعَادَ إِخْشِنْوَارْ إِلَى عَسْكَرِ فَيْرُوزَ، وَأَخَذَ كُلَّ مَا فِيهِ، وَأَسَرَ نِسَاءَهُ وَمَوْبَذَانْ مَوْبَذْ ثُمَّ اسْتَخْرَجَ جُثَّةَ فَيْرُوزَ وَجُثَّةَ كُلِّ مَنْ سَقَطَ مَعَهُ فَجَعَلَهَا فِي النَّوَاوِيسِ.
وَقِيلَ: إِنَّ فَيْرُوزَ لَمَّا انْتَهَى إِلَى الْخَنْدَقِ الَّذِي حَفَرَهُ إِخْشِنْوَارْ وَلَمْ يَكُنْ مُغَطًّى عَقَدَ عَلَيْهِ قَنَاطِرَ وَجَعَلَ عَلَيْهَا أَعْلَامًا لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ يَقْصِدُونَهَا فِي عَوْدِهِمْ وَجَازَ إِلَى الْقَوْمِ. فَلَمَّا الْتَقَى الْعَسْكَرَانِ احْتَجَّ عَلَيْهِ إِخْشِنْوَارْ بِالْعُهُودِ الَّتِي بَيْنَهُمَا، وَحَذَّرَهُ عَاقِبَةَ الْغَدْرِ، فَلَمْ يَرْجِعْ، فَنَهَاهُ أَصْحَابُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ، فَضَعُفَتْ نِيَّاتُهُمْ فِي الْقِتَالِ. فَلَمَّا أَبَى إِلَّا الْقِتَالَ رَفَعَ إِخْشِنْوَارْ نُسْخَةَ الْعَهْدِ عَلَى رُمْحٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ خُذْ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَقَلِّدْهُ بِغَيِّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute