أَحَدٌ غَيْرَ غُلَامٍ صَغِيرٍ، فَوَثَبَ عَلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ فَقَتَلَهُ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ مُنَقْرَسًا زَمِنًا، وَأَخْرَجَ حَبْلَ إِبْرَيْسَمَ كَانَ قَدْ أَعَدَّهُ فَشَدَّهُ فِي نَافِذَةٍ فِي تِلْكَ الْغُرْفَةِ وَنَزَلَ وَتَخَلَّصَ.
وَاسْتَغَاثَ ذَلِكَ الْغُلَامُ، فَجَاءَ أَصْحَابُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَكَسَرُوا الْبَابَ، وَكَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ قَدْ أَغْلَقَهُ، فَلَمَّا دَخَلُوا رَأَوْهُ مَقْتُولًا، فَقَتَلُوا بِهِ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الدَّيْلَمِ، وَحَفِظُوا نُفُوسَهُمْ.
وَعَظُمَتْ جُيُوشُ أَسْفَارٍ وَجَلَّ قَدْرُهُ، فَتَجَبَّرَ وَعَصَى عَلَى الْأَمِيرِ السَّعِيدِ، صَاحِبِ خُرَاسَانَ، وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجًا وَيَنْصِبَ بِالرَّيِّ سَرِيرَ ذَهَبٍ لِلسَّلْطَنَةِ، وَيُحَارِبَ الْخَلِيفَةَ، وَصَاحِبَ خُرَاسَانَ، فَسَيَّرَ الْمُقْتَدِرُ إِلَيْهِ هَارُونَ بْنَ غَرِيبٍ فِي عَسْكَرٍ نَحْوَ قَزْوِينَ، فَحَارَبَهُ أَصْحَابُ أَسْفَارٍ بِهَا، فَانْهَزَمَ هَارُونُ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِبَابِ قَزْوِينَ، وَكَانَ أَهْلُ قَزْوِينَ قَدْ سَاعَدُوا أَصْحَابَ هَارُونَ، فَحَقَدَهَا عَلَيْهِمْ أَسْفَارٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْأَمِيرَ السَّعِيدَ، صَاحِبَ خُرَاسَانَ، سَارَ مِنْ بُخَارَى قَاصِدًا نَحْوَ أَسْفَارٍ لِيَأْخُذَ بِلَادَهُ، فَبَلَغَ نَيْسَابُورَ، فَجَمَعَ أَسْفَارٌ عَسْكَرَهُ وَأَشَارَ عَلَى أَسْفَارٍ وَزِيرُهُ مُطَرِّفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيُّ بِمُرَاسَلَةِ صَاحِبِ خُرَاسَانَ، وَالدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ وَبَذْلِ الْمَالِ لَهُ، فَإِنْ أَجَابَ، وَإِلَّا فَالْحَرْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَكَانَ فِي عَسْكَرِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَتْرَاكِ صَاحِبِ خُرَاسَانَ قَدْ سَارُوا مَعَهُ فَخَوَّفَهُ وَزِيرُهُ مِنْهُمْ، فَرَجَعَ إِلَى رَأْيِهِ وَرَاسَلَهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَعَزَمَ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ أَنْ يَقْبَلَ الْأَمْوَالَ، وَإِقَامَةَ الْخُطْبَةِ لَهُ وَخَوَّفُوهُ الْحَرْبَ وَأَنَّهُ لَا يَدْرِي لِمَنِ النَّصْرُ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ، وَأَجَابَ أَسْفَارٌ إِلَى مَا طَلَبَ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ شُرُوطًا مِنْ حَمْلِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَاتَّفَقَا فَشَرَعَ أَسْفَارٌ بَعْدَ إِتْمَامِ الصُّلْحِ، وَقَسَّطَ عَلَى الرَّيِّ وَأَعْمَالِهَا، عَلَى كُلِّ رَجُلٍ دِينَارًا، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ أَمْ مِنَ الْمُجْتَازِينَ، فَحَصَلَ لَهُ مَالٌ عَظِيمٌ أَرْضَى صَاحِبَ خُرَاسَانَ بِبَعْضِهِ، وَرَجَعَ عَنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute