بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي عُمَرَ، فَكَتَمَهُ وَلَمْ يُظْهِرْ عَلَيْهِ أَحَدًا، فَلَمَّا عَادَ الْمُقْتَدِرُ إِلَى الْخِلَافَةِ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَوَلَّاهُ قَضَاءَ الْقُضَاةِ.
وَلَمَّا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ لِلْقَاهِرِ أَخْرَجَ مُؤْنِسٌ الْمُظَفَّرُ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى مِنَ الْحَبْسِ، وَرَتَّبَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ فِي الْوِزَارَةِ، وَأَضَافَ إِلَى نَازُوكَ مَعَ الشُّرْطَةِ حَجْبَ الْخَلِيفَةِ، وَكَتَبَ إِلَى الْبِلَادِ بِذَلِكَ، وَأَقْطَعَ ابْنَ حَمْدَانَ، مُضَافًا إِلَى مَا بِيَدِهِ مِنْ أَعْمَالِ طَرِيقِ خُرَاسَانَ، حُلْوَانَ، وَالدِّينَوَرَ، وَهَمَذَانَ، وَكَنْكُورَ، وَكَرْمَانَ، وَشَاهَانَ، وَالرَّاذَنَاتِ، وَدَقُوقًا، وَخَانِيجَارَ، وَنَهَاوَنْدَ، وَالصَّيْمَرَةَ، وَالسَّيْرَوَانَ، وَمَاسَبَذَانَ وَغَيْرَهَا، وَنُهِبَتْ دَارُ الْخَلِيفَةِ، وَمَضَى بُنِّيُّ بْنُ نَفِيسٍ إِلَى تُرْبَةٍ لِوَالِدَةِ الْمُقْتَدِرِ، فَأَخْرَجَ مِنْ قَبْرٍ فِيهَا سِتَّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَحَمَلَهَا إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ.
وَكَانَ خَلْعُ الْمُقْتَدِرِ النِّصْفَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، ثُمَّ سَكَنَ النَّهْبُ، وَانْقَطَعَتِ الْفِتْنَةُ، وَلَمَّا تَقَلَّدَ نَازُوكُ حَجْبَةَ الْخَلِيفَةِ أَمَرَ الرَّجَّالَةَ الْمُصَافِيَّةَ بِقَلْعِ خِيَامِهِمْ مِنْ دَارِ الْخَلِيفَةِ، وَأَمَرَ رِجَالَهُ وَأَصْحَابَهُ أَنْ يُقِيمُوا بِمَكَانِ الْمُصَافِيَّةِ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَتَقَدَّمَ إِلَى خُلَفَاءِ الْحُجَّابِ أَنْ لَا يُمَكِّنُوا أَحَدًا مِنَ الدُّخُولِ إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ، إِلَّا مَنْ لَهُ مَرْتَبَةٌ، فَاضْطَرَبَتِ الْحَجْبَةُ مِنْ ذَلِكَ.
ذِكْرُ عَوْدِ الْمُقْتَدِرِ إِلَى الْخِلَافَةِ
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْإِثْنَيْنِ سَابِعَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ بَكَّرَ النَّاسُ إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ مَوْكِبِ دَوْلَةٍ جَدِيدَةٍ، فَامْتَلَأَتِ الْمَمَرَّاتُ، وَالْمُرَاحَاتُ، وَالرِّحَابُ، وَشَاطِئُ دِجْلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَحَضَرَ الرَّجَّالَةُ الْمُصَافِيَّةُ فِي السِّلَاحِ الشَّاكِي، يُطَالِبُونَ بِحَقِّ الْبَيْعَةِ، وَرِزْقِ سَنَةٍ، وَهُمْ حَنِقُونَ بِمَا فَعَلَ بِهِمْ نَازُوكُ، وَلَمْ يَحْضُرْ مُؤْنِسٌ الْمُظَفَّرُ ذَلِكَ الْيَوْمَ.
وَارْتَفَعَتْ زَعَقَاتُ الرَّجَّالَةِ، فَسَمِعَ بِهَا نَازُوكُ، فَأَشْفَقَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ فِتْنَةٌ وَقِتَالٌ، فَتَقَدَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَعْرِضُوا لَهُمْ، وَلَا يُقَاتِلُوهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute