وَسَيْفُهُ بِيَدِهِ، وَنَزَعَ الْجُبَّةَ الصُّوفَ، وَأَخَذَهَا بِيَدِهِ الْأُخْرَى، وَحَمَلَ عَلَيْهِمْ، فَانْجَفَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَغَشِيَهُمْ، فَرَمَوْهُ بِالنِّشَابِ ضَرُورَةً، فَعَادَ عَنْهُمْ، وَانْفَرَدَ عَنْهُ الْقَاهِرُ وَمَشَى إِلَى آخِرِ الْبُسْتَانِ فَاخْتَفَى مِنْهُ.
وَدَخَلَ أَبُو الْهَيْجَاءِ إِلَى بَيْتٍ مِنْ سَاجٍ، وَتَقَدَّمَ الْخَدَمُ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَبُو الْهَيْجَاءِ، فَوَلَّوْا هَارِبِينَ، وَدَخَلَ إِلَيْهِمْ بَعْضُ أَكَابِرِ الْغِلْمَانِ الْحُجَرِيَّةِ، وَمَعَهُ أَسْوَدَانِ بِسِلَاحٍ، فَقَصَدُوا أَبَا الْهَيْجَاءِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَرُمِيَ بِالسِّهَامِ فَسَقَطَ، فَقَصَدَهُ بَعْضُهُمْ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى، وَأَخَذَ رَأْسَهُ فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ، وَمَشَى وَهُوَ مَعَهُ.
وَأَمَّا الرَّجَّالَةُ فَإِنَّهُمْ لَمَّا انْتَهَوْا إِلَى دَارِ مُؤْنِسٍ وَسَمِعَ زَعَقَاتِهِمْ قَالَ: مَا الَّذِي تُرِيدُونَ؟ فَقِيلَ لَهُ: نُرِيدُ الْمُقْتَدِرَ، فَأَمَرَ بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا قِيلَ لِلْمُقْتَدِرِ لِيَخْرُجَ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ تَكُونَ حِيلَةً عَلَيْهِ، فَامْتَنَعَ، وَحُمِلَ وَأُخْرِجَ إِلَيْهِمْ، فَحَمَلَهُ الرَّجَّالَةُ عَلَى رِقَابِهِمْ حَتَّى أَدْخَلُوهُ دَارَ الْخِلَافَةِ، فَلَمَّا حَصَلَ فِي الصَّحْنِ التِّسْعِينِيِّ اطْمَأَنَّ وَقَعَدَ، فَسَأَلَ عَنْ أَخِيهِ الْقَاهِرِ، وَعَنِ ابْنِ حَمْدَانَ، فَقِيلَ: هُمَا حَيَّانِ، فَكَتَبَ لَهُمَا أَمَانًا بِخَطِّهِ، وَأَمَرَ خَادِمًا بِالسُّرْعَةِ بِكِتَابِ الْأَمَانِ لِئَلَّا يَحْدُثَ عَلَى أَبِي الْهَيْجَاءِ حَادِثٌ، فَمَضَى بِالْخَطِّ إِلَيْهِ، (فَلَقِيَهُ الْخَادِمُ) الْآخَرُ وَمَعَهُ رَأْسٌ، فَعَادَ مَعَهُ، فَلَمَّا رَآهُ الْمُقْتَدِرُ، وَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ، قَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! مَنْ قَتَلَهُ؟ فَقَالَ الْخَادِمُ: مَا نَعْرِفُ قَاتِلَهُ، وَعَظُمَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ، وَقَالَ: مَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَيُسَلِّينِي، وَيُذْهِبُ عَنِّي الْغَمَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ غَيْرُهُ.
ثُمَّ أُخِذَ الْقَاهِرُ وَأُحْضِرَ عِنْدَ الْمُقْتَدِرِ، فَاسْتَدْنَاهُ، فَأَجْلَسَهُ عِنْدَهُ وَقَبَّلَ جَبِينَهُ وَقَالَ لَهُ: يَا أَخِي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَكَ، وَأَنَّكَ قُهِرْتَ، وَلَوْ لَقَّبُوكَ بِالْمَقْهُورِ لَكَانَ أَوْلَى مِنَ الْقَاهِرِ، وَالْقَاهِرُ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! نَفْسِي، نَفْسِي، اذْكُرِ الرَّحِمَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ! فَقَالَ لَهُ الْمُقْتَدِرُ: وَحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ لَا جَرَى عَلَيْكَ سُوءٌ مِنِّي أَبَدًا، وَلَا وَصَلَ أَحَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute