إِلَى مَكْرُوهِكَ وَأَنَا حَيٌّ! فَسَكَنَ وَأَخْرَجَ رَأْسَ نَازُوكَ، وَرَأْسَ أَبِي الْهَيْجَاءِ، وَشُهِّرَا، وَنُودِيَ عَلَيْهِمَا: هَذَا جَزَاءُ مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ.
وَأَمَّا بُنِّيُّ بْنُ نَفِيسٍ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ أَشَدِّ الْقَوْمِ عَلَى الْمُقْتَدِرِ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِرُجُوعِهِ إِلَى الْخِلَافَةِ، فَرَكِبَ جَوَادًا وَهَرَبَ عَنْ بَغْدَاذَ، (وَغَيَّرَ زِيَّهُ) ، وَسَارَ حَتَّى بَلَغَ الْمَوْصِلَ، وَسَارَ مِنْهَا إِلَى أَرْمِينِيَّةَ، وَسَارَ حَتَّى دَخَلَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَتَنَصَّرَ.
وَهَرَبَ أَبُو السَّرَايَا نَصْرُ بْنُ حَمْدَانَ أَخُو أَبِي الْهَيْجَاءِ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَسَكَنَتِ الْفِتْنَةُ، وَأَحْضَرَ الْمُقْتَدِرُ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ، وَأَعَادَهُ إِلَى وِزَارَتِهِ، وَكَتَبَ إِلَى الْبِلَادِ بِمَا تَجَدَّدُ لَهُ، وَأَطْلَقَ لِلْجُنْدِ أَرْزَاقَهُمْ وَزَادَهُمْ، وَبَاعَ مَا فِي الْخَزَائِنِ مِنَ الْأَمْتِعَةِ وَالْجَوَاهِرِ، وَأَذِنَ فِي بَيْعِ الْأَمْلَاكِ مِنَ النَّاسِ، فَبِيعَ ذَلِكَ بِأَرْخَصِ الْأَثْمَانِ، لِيُتِمَّ أُعْطِيَاتِ الْجُنْدِ.
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مُؤْنِسًا الْمُظَفَّرَ لَمْ يَكُنْ مُؤْثِرًا لِمَا جَرَى عَلَى الْمُقْتَدِرِ مِنَ الْخَلْعِ، وَإِنَّمَا وَافَقَ الْجَمَاعَةَ مَغْلُوبًا عَلَى رَأْيِهِ، وَلِعِلْمِهِ أَنَّهُ إِنْ خَالَفَهُمْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُقْتَدِرُ، وَوَافَقَهُمْ لِيُؤَمِّنُوهُ، وَسَعَى مَعَ الْغِلْمَانِ الْمُصَافِيَّةِ وَالْحُجَرِيَّةِ، وَوَضَعَ قُوَّادَهُمْ عَلَى أَنْ عَمِلُوا مَا عَمِلُوا، وَأَعَادُوا الْمُقْتَدِرَ إِلَى الْخِلَافَةِ، وَكَانَ هُوَ قَدْ قَالَ لِلْمُقْتَدِرِ، (لَمَّا كَانَ) فِي دَارِهِ: مَا تُرِيدُونَ أَنْ نَصْنَعَ؟ فَلِهَذَا أَمَّنَهُ الْمُقْتَدِرُ، وَلَمَّا حَمَلُوهُ إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ مِنْ دَارِ مُؤْنِسٍ وَرَأَى فِيهَا كَثْرَةَ الْخَلْقِ وَالِاخْتِلَافِ عَادَ إِلَى دَارِ مُؤْنِسٍ لِثِقَتِهِ بِهِ، وَاعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا هَوَى مُؤْنِسٍ مَعَ الْمُقْتَدِرِ لَكَانَ حَضَرَ عِنْدَ الْقَاهِرِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَكَانَ أَيْضًا قَتَلَ الْمُقْتَدِرَ لَمَّا طُلِبَ مِنْ دَارِهِ لِيُعَادَ إِلَى الْخِلَافَةِ.
وَأَمَّا الْقَاهِرُ فَإِنَّ الْمُقْتَدِرَ حَبَسَهُ عِنْدَ وَالِدَتِهِ، فَأَحْسَنَتْ إِلَيْهِ، وَأَكْرَمَتْهُ، وَوَسَّعَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ، وَاشْتَرَتْ لَهُ السَّرَارِيَ وَالْجَوَارِيَ لِلْخِدْمَةِ، وَبَالَغَتْ فِي إِكْرَامِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ (بِكُلِّ طَرِيقٍ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute