وَضَيَّقَ عَلِيُّ بْنُ بُلَيْقٍ عَلَى الْقَاهِرِ، فَعَلِمَ الْقَاهِرُ أَنَّ الْعِتَابَ لَا يُفِيدُ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِرَأْيِ مُؤْنِسٍ وَابْنِ مُقْلَةَ، فَأَخَذَ فِي الْحِيلَةِ وَالتَّدْبِيرِ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ.
وَكَانَ قَدْ عَرَفَ فَسَادَ قَلْبِ طَرِيفٍ السُّبْكَرِيِّ وَبُشْرَى خَادِمِ مُؤْنِسٍ لِبُلَيْقٍ وَوَلَدِهِ عَلِيٍّ، وَحَسَدَهُمَا عَلَى مَرَاتِبِهِمَا، فَشَرَعَ فِي إِغْرَائِهِمَا بِبُلَيْقٍ وَابْنِهِ.
وَعَلِمَ أَيْضًا أَنَّ مُؤْنِسًا وَبُلَيْقًا أَكْثَرُ اعْتِمَادِهِمَا عَلَى السَّاجِيَّةِ أَصْحَابِ يُوسُفَ بْنِ أَبِي السَّاجِ وَغِلْمَانِهِ الْمُنْتَقِلِينَ إِلَيْهِمَا بَعْدَهُ، وَكَانَا قَدْ وَعَدَا السَّاجِيَّةَ بِالْمَوْصِلِ مَوَاعِيدَ أَخْلَفَاهَا، فَأَرْسَلَ الْقَاهِرُ إِلَيْهِمْ يُغْرِيهِمْ بِمُؤْنِسٍ، وَبُلَيْقٍ، وَيَحْلِفُ لَهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا أَخْلَفَاهُمْ، فَتَغَيَّرَتْ قُلُوبُ السَّاجِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّهُ رَاسَلَ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مُقْلَةَ، وَصَاحِبَ مَشُورَتِهِ، وَوَعَدَهُ الْوِزَارَةَ، فَكَانَ يُطَالِعُهُ بِالْأَخْبَارِ، وَبَلَغَ ابْنَ مُقْلَةَ أَنَّ الْقَاهِرَ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِي التَّدْبِيرِ عَلَيْهِ وَعَلَى مُؤْنِسٍ، وَبُلَيْقٍ، وَابْنِهِ عَلِيٍّ، وَالْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ، فَأَخْبَرَهُمُ ابْنُ مُقْلَةَ بِذَلِكَ.
ذِكْرُ الْقَبْضِ عَلَى مُؤْنِسٍ وَبُلَيْقٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ، أَوَّلَ شَعْبَانَ، قَبَضَ الْقَاهِرُ بِاللَّهِ عَلَى بُلَيْقٍ وَابْنِهِ، وَمُؤْنِسٍ الْمُظَفَّرِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ مُقْلَةَ لِمُؤْنِسٍ وَبُلَيْقٍ مَا هُوَ عَلَيْهِ الْقَاهِرُ مِنَ التَّدْبِيرِ فِي اسْتِئْصَالِهِمْ خَافُوهُ، وَحَمَلَهُمُ الْخَوْفُ عَلَى الْجِدِّ فِي خَلْعِهِ، وَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ الْمُكْتَفِي وَعَقَدُوا لَهُ الْأَمْرَ سِرًّا، وَحَلَفَ لَهُ بُلَيْقٌ وَابْنُهُ عَلِيٌّ، وَالْوَزِيرُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ، وَالْحَسَنُ بْنُ هَارُونَ، وَبَايَعُوهُ، ثُمَّ كَشَفُوا الْأَمْرَ لِمُؤْنِسٍ فَقَالَ لَهُمْ: لَسْتُ أَشُكُّ فِي شَرِّ الْقَاهِرِ وَخُبْثِهِ، وَلَقَدْ كُنْتُ كَارِهًا لِخِلَافَتِهِ، وَأَشَرْتُ بِابْنِ الْمُقْتَدِرِ، فَخَالَفْتُمْ وَقَدْ بَالَغْتُمُ الْآنَ فِي الِاسْتِهَانَةِ بِهِ، وَمَا صَبَرَ عَلَى الْهَوَانِ إِلَّا مِنْ خُبْثِ طَوِيَّتِهِ لِيُدَبِّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute