عَلَيْكُمْ، فَلَا تَعْجَلُوا (عَلَى أَمْرٍ حَتَّى تُؤْنِسُوهُ وَيَنْبَسِطَ إِلَيْكُمْ، ثُمَّ فَتِّشُوا لِتَعْرِفُوا مَنْ وَاطَأَهُ مِنَ الْقُوَّادِ وَمِنَ السَّاجِيَّةِ وَالْحُجَرِيَّةِ، ثُمَّ اعْمَلُوا عَلَى ذَلِكَ) ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ بُلَيْقٍ، (وَالْحَسَنُ بْنُ هَارُونَ) : مَا يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّطْوِيلِ، فَإِنَّ الْحَجْبَةَ لَنَا، وَالدَّارَ فِي أَيْدِينَا وَمَا يَحْتَاجُ أَنْ نَسْتَعِينَ فِي الْقَبْضِ عَلَيْهِ بِأَحَدٍ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ طَائِرٍ فِي قَفَصٍ.
وَعَمِلُوا عَلَى مُعَاجَلَتِهِ، فَاتَّفَقَ أَنْ سَقَطَ بُلَيْقٌ مِنَ الدَّابَّةِ، فَاعْتَلَّ وَلَزِمَ مَنْزِلَهُ، وَاتَّفَقَ ابْنُهُ عَلِيٌّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ وَزَيَّنَا لِمُؤْنِسٍ خَلْعَ الْقَاهِرِ، وَهَوَّنَا عَلَيْهِ الْأَمْرَ، فَأَذِنَ لَهُمَا، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمَا عَلَى أَنْ يُظْهِرُوا أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ الْقَرْمَطِيَّ قَدْ وَرَدَ الْكُوفَةَ فِي خَلْقٍ كَثِيرٍ، وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ بُلَيْقٍ سَائِرٌ إِلَيْهِ فِي الْجَيْشِ لِيَمْنَعَهُ عَنْ بَغْدَاذَ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَى الْقَاهِرِ لِيُودِّعَهُ وَيَأْخُذَ أَمْرَهُ فِيمَا يَفْعَلُ قَبَضَ عَلَيْهِ.
(فَلَمَّا اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ جَلَسَ ابْنُ مُقْلَةَ، وَعِنْدَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ قُرَابَةَ) : أَعَلِمْتَ أَنَّ الْقَرْمَطِيَّ قَدْ دَخَلَ الْكُوفَةَ فِي سِتَّةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ بِالسِّلَاحِ التَّامِّ؟ قَالَ: لَا قَالَ ابْنُ مُقْلَةَ: قَدْ وَصَلَنَا كُتُبُ النُّوَّابِ بِهَا بِذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ قُرَابَةَ: هَذَا كَذِبٌ وَمُحَالٌ، فَإِنَّ فِي جِوَارِنَا إِنْسَانًا مِنَ الْكُوفَةِ، وَقَدْ أَتَاهُ الْيَوْمَ كِتَابٌ عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ تَارِيخُهُ الْيَوْمَ يُخْبِرُ فِيهِ بِسَلَامَتِهِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُقْلَةَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَنْتُمْ أَعْرَفُ مِنَّا بِالْأَخْبَارِ؟ فَسَكَتَ ابْنُ قُرَابَةَ.
وَكَتَبَ ابْنُ مُقْلَةَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يُعَرِّفُهُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ لَهُ: إِنِّي قَدْ جَهَّزْتُ (جَيْشًا مَعَ) عَلِيِّ بْنِ بُلَيْقٍ لِيَسِيرَ يَوْمَنَا هَذَا، وَالْعَصْرَ يَحْضُرُ إِلَى الْخِدْمَةِ لِيَأْمُرَهُ مَوْلَانَا بِمَا يَرَاهُ، فَكَتَبَ الْقَاهِرُ فِي جَوَابِهِ يَشْكُرُهُ، وَيَأْذَنُ لَهُ فِي حُضُورِ ابْنِ بُلَيْقٍ، فَجَاءَتْ رُقْعَةُ الْقَاهِرِ وَابْنُ مُقْلَةَ نَائِمٌ، فَتَرَكُوهَا وَلَمْ يُوصِلُوهَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عَادَ وَكَتَبَ رُقْعَةً أُخْرَى فِي الْمَعْنَى، فَأَنْكَرَ الْقَاهِرُ الْحَالَ، حَيْثُ قَدْ كَتَبَ جَوَابَهُ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَكْرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute