وَهُوَ فِي هَذَا إِذْ وَصَلَتْ رُقْعَةُ طَرِيفٍ السُّبْكَرِيِّ يَذْكُرُ أَنَّ عِنْدَهُ نَصِيحَةً وَأَنَّهُ قَدْ حَضَرَ فِي زِيِّ امْرَأَةٍ لِيُنْهِيَهَا إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعَ بِهِ الْقَاهِرُ، فَذَكَرَ لَهُ جَمِيعَ مَا قَدْ زَعَمُوا عَلَيْهِ، وَمَا فَعَلُوهُ مِنَ التَّدْبِيرِ لِيَقْبِضَ ابْنُ بُلَيْقٍ عَلَيْهِ إِذَا اجْتَمَعَ بِهِ وَأَنَّهُمْ قَدْ بَايَعُوا أَبَا أَحْمَدَ بْنَ الْمُكْتَفِي، فَلَمَّا سَمِعَ الْقَاهِرُ ذَلِكَ أَخَذَ حَذَرَهُ وَأَنْفَذَ إِلَى السَّاجِيَّةِ فَأَحْضَرَهُمْ مُتَفَرِّقِينَ، وَكَمَّنَهُمْ فِي الدَّهَالِيزِ، (وَالْمَمَرَّاتِ) ، وَالرِّوَاقَاتِ، وَحَضَرَ عَلِيُّ بْنُ بُلَيْقٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَفِي رَأْسِهِ نَبِيذٌ وَمَعَهُ عَدَدٌ يَسِيرٌ مِنْ غِلْمَانِهِ بِسِلَاحٍ خَفِيفٍ، فِي طَيَّارَةٍ، وَأَمَرَ جَمَاعَةً مِنْ عَسْكَرِهِ بِالرُّكُوبِ إِلَى أَبْوَابِ دَارِ الْخَلِيفَةِ، وَصَعِدَ مِنَ الطَّيَّارَةِ، وَطَلَبَ الْإِذْنَ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْقَاهِرُ، فَغَضِبَ وَأَسَاءَ أَدَبَهُ، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ لِقَائِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى.
وَكَانَ الْقَاهِرُ قَدْ أَحْضَرَ السَّاجِيَّةَ، كَمَا ذَكَرْنَا، وَهُمْ عِنْدَهُ فِي الدَّارِ فَأَمَرَهُمُ الْقَاهِرُ بِرَدِّهِ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ وَشَتَمُوهُ وَشَتَمُوا أَبَاهُ وَشَهَرُوا سِلَاحَهُمْ وَتَقَدَّمُوا إِلَيْهِ جَمِيعُهُمْ، فَفَرَّ أَصْحَابُهُ عَنْهُ، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي الطَّيَّارَةِ وَعَبَرَ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَاخْتَفَى مِنْ سَاعَتِهِ، فَبَلَغَ ابْنَ مُقْلَةَ الْخَبَرُ، فَاسْتَتَرَ وَاسْتَتَرَ الْحَسَنُ بْنُ هَارُونَ أَيْضًا.
فَلَمَّا سَمِعَ طَرِيفٌ الْخَبَرَ رَكِبَ فِي أَصْحَابِهِ، وَعَلَيْهِمُ السِّلَاحُ، وَحَضَرُوا دَارَ الْخَلِيفَةِ وَوَقَفَ الْقَاهِرُ، فَعَظُمَ الْأَمْرُ حِينَئِذٍ عَلَى ابْنِ بُلَيْقٍ وَجَمَاعَتِهِمْ وَأَنْكَرَ بُلَيْقٌ مَا جَرَى عَلَى ابْنِهِ، وَسَبَّ السَّاجِيَّةَ، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْمُضِيِّ إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ، فَإِنْ كَانَ السَّاجِيَّةُ فَعَلُوا هَذَا بِغَيْرِ تَقَدُّمٍ قَابَلْتُهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ، وَإِنْ كَانَ بِتَقَدُّمٍ سَأَلْتُهُ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ.
فَحَضَرَ دَارَ الْخَلِيفَةِ وَمَعَهُ جَمِيعُ الْقُوَّادِ الَّذِينَ بِدَارِ مُؤْنِسٍ، فَلَمْ يُوصِلْهُ الْقَاهِرُ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَحَبْسِهِ، وَأَمَرَ بِالْقَبْضِ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ زِيرَكَ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute