وَحَصَلَ الْجَيْشُ كُلُّهُمْ فِي الدَّارِ، فَأَنْفَذَ الْقَاهِرُ وَطَيَّبَ نُفُوسَهُمْ، وَوَعْدَهُمُ الزِّيَادَةَ، وَأَنَّهُ يُوقِفُ هَؤُلَاءِ عَلَى ذُنُوبِهِمْ ثُمَّ يُطْلِقُهُمْ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، فَعَادُوا.
وَرَاسَلَ الْقَاهِرُ مُؤْنِسًا يَسْأَلُهُ الْحُضُورَ عِنْدَهُ لِيَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا رُفِعَ عَلَيْهِمْ لِيَفْعَلَ مَا يَرَاهُ، وَقَالَ: إِنَّهُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَعْمَلَ شَيْئًا إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ، فَاعْتَذَرَ مُؤْنِسٌ عَنِ الْحَرَكَةِ، (وَنَهَاهُ أَصْحَابُهُ عَنِ الْحُضُورِ) عِنْدَهُ.
فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ أَحْضَرَ الْقَاهِرُ طَرِيفًا السُّبْكَرِيَّ وَنَاوَلَهُ خَاتَمَهُ، وَقَالَ لَهُ: قَدْ فَوَّضْتُ إِلَى وَلَدِي عَبْدِ الصَّمَدِ مَا كَانَ الْمُقْتَدِرُ فَوَّضَهُ إِلَى ابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَقَلَّدْتُكَ خِلَافَتَهُ، وَرِئَاسَةَ الْجَيْشِ، وَإِمَارَةَ الْأُمَرَاءِ، وَبُيُوتَ الْأَمْوَالِ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ إِلَى مُؤْنِسٍ، وَيَجِبُ أَنْ تَمْضِيَ إِلَيْهِ وَتَحْمِلَهُ إِلَى الدَّارِ، فَإِنَّهُ مَا دَامَ فِي مَنْزِلِهِ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مَنْ يُرِيدُ الشَّرَّ وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يُولَدَ شُغْلٌ، فَيَكُونَ هَاهُنَا مُرَفَّهًا، وَمَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يَخْدِمُهُ عَلَى عَادَتِهِ.
فَمَضَى إِلَى دَارِ مُؤْنِسٍ، وَعِنْدَهُ أَصْحَابُهُ فِي السِّلَاحِ، وَهُوَ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ الْكِبَرُ وَالضَّعْفُ، فَسَأَلَهُ أَصْحَابُ مُؤْنِسٍ عَنِ الْحَالِ، فَذَكَرَ سُوءَ صَنِيعِ بُلَيْقٍ وَابْنِهِ، فَكُلُّهُمْ سَبَّهُمَا، وَعَرَّفَهُمْ مَا أَخَذَ لَهُمْ مِنَ الْأَمَانِ وَالْعُهُودِ، فَسَكَتُوا، وَدَخَلَ إِلَى مُؤْنِسٍ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالْحُضُورِ عِنْدَ الْقَاهِرِ، وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ تَأَخَّرْتَ طَمِعَ، وَلَوْ رَآكَ نَائِمًا مَا تَجَاسَرَ أَنْ يُوقِظَكَ، وَكَانَ مُوَافِقًا عَلَى مُؤْنِسٍ وَأَصْحَابِهِ لِمَا نَذْكُرُهُ، فَسَارَ مُؤْنِسٌ إِلَيْهِ فَلَمَّا دَخَلَ الدَّارَ قَبَضَ الْقَاهِرُ عَلَيْهِ وَحَبَسَهُ وَلَمْ يَرَهُ.
قَالَ طَرِيفٌ: لَمَّا أَعْلَمْتُ الْقَاهِرَ بِمَجِيءِ مُؤْنِسٍ ارْتَعَدَ، وَتَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهُ، وَزَحَفَ مِنْ صَدْرِ فِرَاشِهِ، فَخِفْتُهُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي مَعْنَاهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّنِي قَدْ أَخْطَأْتُ، وَنَدِمْتُ وَتَيَقَّنْتُ أَنَّنِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute