أَوَّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ مُلُوكِ الْفُرْسِ؛ هَكَذَا سَاقَ نَسَبَهُمُ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ بْنُ مَاكُولَا، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَأَمَّا ابْنُ مَسْكَوَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ: (إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ) أَنَّهُمْ مِنْ وَلَدِ يَزْدَجُرْدَ بْنِ شَهْرَيَارَ، آخِرِ مُلُوكِ الْفُرْسِ، إِلَّا أَنَّ النَّفْسَ (أَكْثَرُ ثِقَةً) بِنَقْلِ ابْنِ مَاكُولَا ; لِأَنَّهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَهَذَا نَسَبٌ عَرِيقٌ فِي الْفُرْسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ نُسِبُوا إِلَى الدَّيْلَمِ حَيْثُ طَالَ مُقَامُهُمْ بِبِلَادِهِمْ.
وَأَمَّا ابْتِدَاءُ أَمْرِهِمْ، فَإِنَّ وَالِدَهُمْ أَبَا شُجَاعٍ بُوَيْهِ كَانَ مُتَوَسِّطَ الْحَالِ، فَمَاتَتْ زَوْجَتُهُ وَخَلَّفَتْ لَهُ ثَلَاثَةَ بَنِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ، فَلَمَّا مَاتَتِ اشْتَدَّ حُزْنُهُ عَلَيْهَا، فَحَكَى شَهْرَيَارُ بْنُ رُسْتُمَ الدَّيْلِمِيُّ، قَالَ: كُنْتُ صَدِيقًا لِأَبِي شُجَاعٍ بُوَيْهِ، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ يَوْمًا فَعَذَلْتُهُ عَلَى كَثْرَةِ حُزْنِهِ، وَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ رَجُلٌ يَحْتَمِلُ الْحُزْنَ، وَهَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينُ أَوْلَادُكَ يُهْلِكُهُمُ الْحُزْنُ، (وَرُبَّمَا مَاتَ أَحَدُهُمْ، فَيُجَدِّدُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْزَانِ مَا يُنْسِيكَ الْمَرْأَةَ، وَسَلَّيْتُهُ بِجُهْدِي، وَأَخَذْتُهُ فَفَرَّجْتُهُ، وَأَدْخَلْتُهُ وَمَعَهُ أَوْلَادُهُ إِلَى مَنْزِلِي لِيَأْكُلُوا طَعَامًا، وَشَغَلْتُهُ عَنْ حُزْنِهِ.
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اجْتَازَ بِنَا رَجُلٌ يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ: إِنَّهُ مُنَجِّمٌ، وَمُعَزِّمٌ، وَمُعَبِّرٌ لِلْمَنَامَاتِ، وَيَكْتُبُ الرُّقَى وَالطَّلْسَمَاتِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَأَحْضَرَهُ أَبُو شُجَاعٍ، وَقَالَ لَهُ: رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنَّنِي أَبُولُ، فَخَرَجَ مِنْ ذَكَرِي نَارٌ عَظِيمَةٌ، اسْتَطَالَتْ وَعَلَتْ حَتَّى كَادَتْ تَبْلُغُ السَّمَاءَ، ثُمَّ انْفَجَرَتْ فَصَارَتْ ثَلَاثَ شُعَبٍ، وَتَوَلَّدَ مِنْ تِلْكَ الشُّعَبِ عِدَّةُ شُعَبٍ، فَأَضَاءَتِ الدُّنْيَا بِتِلْكَ النِّيرَانِ، وَرَأَيْتُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ خَاضِعِينَ لِتِلْكَ النِّيرَانِ.
فَقَالَ الْمُنَجِّمُ: هَذَا مَنَامٌ عَظِيمٌ، لَا أُفَسِّرُهُ إِلَّا بِخِلْعَةٍ، وَفَرَسٍ، وَمَرْكَبٍ، فَقَالَ أَبُو شُجَاعٍ: وَاللَّهِ، مَا أَمْلِكُ إِلَّا الثِّيَابَ الَّتِي عَلَى جَسَدِي، فَإِنْ أَخَذْتَهَا بَقِيتُ عُرْيَانًا، قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute